آسيا آل الشيخ&

يبدو أن التحذير الذي أطلقه المفكر الإسلامي ابن رشد قبل 900 عام حين قال "التجارة بالأديان هي التجارة الرابحة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل" لم يُقرأ جيدا لكي يردع تكاثر عبارة "يتوافق مع الشريعة الإسلامية" في القرن الـ 21 التي يطلقها "كائنا من كان"التي بموجبها يزدهر أي عمل تجاري في عالمنا العربي.&

وبغض النظر عن أسلمة السياسة أو الاقتصاد، ومنذ بدء مفهوم أسلمة الأعمال التجارية ابتداء بقطاع المصارف في الأربعينيات الميلادية، مرورا بالمنتجات الاستهلاكية الإسلامية ووصولا لمراكز التجميل النسائية الإسلامية حتى أسلمة (المايوه)! إلى الموضة الأخيرة للأسلمة التي أطلقها باعة الوهم في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومعهم بدأت تظهر وتكبر كرة الثلج على شكل مؤشرات وتقارير وبرامج لما يسمى "المسؤولية الاجتماعية للشركات وفق القيم الإسلامية" دون النظر إلى عواقب مثل هذه الممارسات على المدى البعيد.&

وإذا افترضنا صحة نظرية أسلمة المسؤولية الاجتماعية للشركات، فمن المفترض أن نرى أدلجة موازية وأن نتوقع ظهور مسؤولية اجتماعية يهودية أو نصرانية أو حتى هندوسية! أي إذا أرادت شركة سعودية تعمل في الهند مثلا أن تطبق المسؤولية الاجتماعية فيجب أن تتم وفقا للأطر والتعاليم الهندوسية!&

المضحك في هذا الموضوع تحديدا أن من يعمل على أسلمة المسؤولية الاجتماعية للشركات هم من غير المسلمين، ولكن بتوجيه ودعم من مسلمين لا يفقهون معنى المسؤولية الاجتماعية للشركات أو حتى أبعاد استخدام الصفة الإسلامية لأي منتج، في تطبيق عملي ساخر للمثل الشعبي "عمياء تكحل مجنونة"، كدليل أن مثل هذه المفاهيم لا يمكن تمريرها إلا في منطقتنا العربية مع الأسف الشديد!&

فعلى الرغم من أن المسؤولية الاجتماعية للشركات أو ما باتت تعرف بـ "استدامة الشركات" التي تدرجت بالانتشار كمفهوم إداري بحت قبل نحو 30 عاما وتتمحور حول مواطنة الشركات وإسهامها المسؤول نحو المجتمع كنوع من التنظيم للشركات ضمن قوانين ومعايير أخلاقية دولية متعارف عليها، ورغم أن اتفاقية الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة التي اعتمدت 17 هدفا محددا للتنمية المستدامة، أي أن المشهد لا يحتمل مزيدا من "الفلسفة" في غير محلها إلا أنه تم تمرير مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات وفق القيم الإسلامية بل ويتم الترويج لتقارير استدامة إسلامية!&

لا أظن، بصفتي خبيرة عربية مسلمة متخصصة في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات، أن أي شركة من الممكن أن تحقق عوائد على أعمالها أو سمعتها كمكاسب لإدماجها المسؤولية الاجتماعية في أعمالها طالما أنها مورست في إطار عقائدي.&

وعودا على ذي بدء، إن تأطير مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات بإطار عقائدي يضر أكثر مما يفيد بل إن إدخال الدين في هذا المجال هو ضحك وتحايل على الناس ومتاجرة بالدين في أقبح صوره!