&عماد العباد

لم يكن مفاجئاً أن يحقق دونالد ترامب النجاحات التي حققها في مسيرته نحو كرسي الرئاسة، وأن يحصد أصوات الناخبين ويقصي باقي المرشحين بل ولن يكون مفاجئاً أن يفوز بالمنصب. كان هذا السيناريو متوقعاً منذ البداية لمن يعرف طريقة تفكير الفرد الأميركي الذي يخضع، بشكل لا إرادي، لسلطة الإعلام وتأثيره.

ترامب لم يحصد هذه النجاحات بسبب تصريحاته الصادمة في حق النساء أو اللاتينيين أو المسلمين وحسب. وإن كانت هذه التصريحات قد ساعدته في كسب بعض أصوات المتطرفين من الـ»نيوـ ناتزيز» أو الـ»ردنيكس» وغيرهم ممن تروق له موسيقى ترامب العنصرية. إلا أنها ليست العامل الأهم في مسيرته الانتخابية، فالولايات المتحدة لم تعانِ مؤخرا من هجمات كبيرة لمتطرفين مسلمين لتجعل من ترامب البطل الذي سيخلصهم من الإرهاب، كما أن المجتمع الأميركي اثني، اعتاد على جميع الأعراق والأديان كمكونات أصيلة فيه وبالتالي فاللعب على وتر مهاجمة الأقليات أيضا ليس المفتاح الحقيقي الذي يملكه ترامب.

ما أريد قوله ان عنصر الجذب في شخصية المرشح الجمهوري دونالد ترامب أعمق من مجرد بذاءاته العنصرية وهذه الحقيقة مرتبطة بعقلية الناخب الأميركي الذي يتأثر بشكل مبالغ فيه بالإعلام المحلي ومن يصنعه من النجوم. المفتاح الأهم في شخصية ترامب هو أنه وجه إعلامي شهير في برامج تلفزيون الواقع مثل مسابقات ملكة جمال الكون وبرنامج «ذي أبرانتس» الذي ينتجه ويقدمه. كما أن له نجمة تحمل اسمه في ممر الشهرة بهوليوود. وفي مجتمع مثل المجتمع الأميركي تعد هذه ميزة كبيرة لأي ناخب يسعى للفوز بكرسي الرئاسة. برامج الواقع التي قدمها ترامب، ظهر فيها شخصاً قوياً وإدارياً محنكاً استطاع ان يدير إمبراطورتيه المالية بنجاح كبير، وبالتالي في لاوعي المشاهد هو قادر على ان «يعيد لأميركا عظمتها من جديد» وهو الشعار الذي اختاره لحملته الانتخابية.

دونالد ترامب ليس النجم الوحيد الذي استطاع توظيف شهرته في تحقيق منصب سياسي فقد سبقه لذلك رونالد ريغن الرئيس الأميركي، وارنولد شواتزنيغر حاكم كاليفورنيا السابق وكلينت ايستوود عمدة مدينة كارميل. هذا الخلط بين عالم التلفزيون الافتراضي في عقلية الفرد الأميركي وبين الواقع بكل خطورته وتعقيداته هو ما دعا أوباما لتحذير الناخبين بقوله: «نحن نمر بأوقات عصيبة، هذه وظيفة جدية وليست ترفيهاً مثل برامج تلفزيون الواقع!».

ما دعا الرئيس الأميركي لإطلاق تحذيره هو معرفته بطريقة تفكير مواطنيه وقوة تأثير الإعلام على التلاعب في قراراتهم، ابتداء من التسوق وانتهاء باختيار رئيسهم القادم. وهو أمر يبدو واضحاً في المجتمع الأميركي أكثر من غيره إذ في المقابل تجد الوضع مغايراً في أوروبا، وتجربة انتخابات عمدة لندن الأخيرة خير مثال على الوعي بالواقع الذي يتمتع به الأوروبيون مقابل الأميركيين. فالانتخابات اللندنية لم تتأثر بما تنقله الميديا عن المسلمين والملونين خصوصا وأنها جاءت في الفترة التي لازالت فيها أوروبا مثخنة بالجراح التي تركتها الهجمات الإرهابية على باريس وبروكسل وكان من المتوقع أن تلقي بظلال قاتمة على سمعة المسلمين هناك. إلا ان الشعب الإنجليزي لم يرضخ للآلة الإعلامية وانتخب بالأغلبية (صديق خان) الذي بدا أنه الأصلح حتى وإن كان مسلماً وابن سائق اوتوبيس.

وأخيراً، الانتخابات الأميركية لم تحسم بعد وقد تحمل الشهور القليلة القادمة مفاجآت كثيرة إلا أن مجرد وصول ترامب إلى هذه المراحل المتقدمة في السباق رغم جنونه وتصريحاته الاستفزازية، يعطي صورة واضحة عن قوة الإعلام الأميركي وقدرته في التأثير على عقلية شعبه والتلاعب بعقلياتهم. ولعل الشعب الأميركي يخذل هذه الفرضية ويفاجئ العالم كما فعل عندما انتخب أوباما.