جيفري كمب

خلال الساعات الأولى من يوم الثاني عشر من يونيو الجاري، وقع أسوء إطلاق نار على مدنيين في التاريخ الأميركي من قبل شخص في ناد ليلي للمثليين في أولاندو بولاية فلوريدا، الأمر الذي أسفر عن مقتل 49 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 50 آخرين، على أن الحصيلة النهائية يمكن أن تكون أعلى من ذلك. القاتل، عمر متين، كان مسلما أميركيا ولد في نيويورك، وكان والداه قد هاجرا إلى الولايات المتحدة من أفغانستان. وتفيد التقارير الأولية حول خلفيته أنه كان متزوجا لفترة قصيرة وأن زوجته كانت تتهمه بضربها. هذا بينما قال والده إن ابنه كان يكره المثليين وأن هذه الكراهية كانت دافعه، على غرار أي أيديولوجيا لها علاقة بتنظيم «داعش». غير أن ثمة أدلة متزايدة على أن متين نفسه كان من الزبائن الذين يترددون على النادي الليلي بانتظام، وأنه سبق أن التقى رجالا هناك. وكانت له لقاءات مع مكتب التحقيقات الفدرالي الـ«إف بي آي»، لكن اسمه سُحب من قائمة المراقبة الخاصة بالمشتبه في علاقتهم بالإرهاب. ونتيجة لذلك، فإن شراءه لبندقية هجومية ومسدس قبل أسبوع على عمليته كان شرعيا وفق قوانين السلاح في فلوريدا.

وأياًّ تكن دوافع متين–التي يبدو على نحو متزايد أنها في غاية التعقيد– فإن عملية القتل التي شهدتها أورلاندو أصبحت عاملاً في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث سارع المرشح الجمهوري المفترض دونالد ترامب إلى استغلال المأساة مركزاً على الاختلافات بين رأيه ورأي كل من الرئيس أوباما والمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون. وقد فعل ذلك في البداية من خلال تغريدة سمجة على تويتر تفتقر للذوق وأثارت ضجة كبيرة: «أقدّر تهانيكم لي لأنني كنت على حق بخصوص الإرهاب الإسلامي الراديكالي. لكني لا أريد التهاني، بل أريد الصرامة والحيطة. يجب أن نكون أذكياء». وبغض النظر عن النرجسية التي تنضح بها كلماته، فإن ترامب لم يقم بأي إشارة إلى الآلام والمعاناة في أورلاندو، بل تمادى في غيه بخصوص اقتراحه منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، حيث أشار إلى أنه سيعلّق الهجرة من مناطق العالم التي يوجد فيها «تاريخ أكيد للإرهاب». ثم راح يهاجم أوباما وهيلاري، ملمحاً إلى أن أوباما متواطئ على نحو ما بخصوص انتشار «الإرهاب الإسلامي»!

وبالمقابل، لم تقم هيلاري بأي إشارة مباشرة إلى ترامب، لكنها ركزت تصريحاتها الأولى على التحذير من شيطنة الأميركيين المسلمين، ودعت أيضا إلى مضاعفة الجهود من أجل إزالة بروباجندا تنظيم «داعش» من الإنترنت وتكثيف الضربات الجوية على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في الشرق الأوسط. وبالنظر إلى سجلها كواحدة من الصقور في ما يتعلق بشؤون الأمن الوطني، فإنها تستطيع الرد على تصريحات ترامب الشائنة حول سياستها، لكن ما من شك في أن أعمال القتل التي شهدتها أورلاندو ضمنت أن يكون الإرهاب مرة أخرى موضوعا مهما في الانتخابات المقبلة.

قبل أعمال القتل تلك كانت حملة هيلاري قد أخذت تصعد إلى الواجهة كحملة قوية. وبعد انتصاراتها الحاسمة على بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية في ولايتي نيوجيرزي وكاليفورنيا في السابع من يونيو حصلت على دعم كل من الرئيس أوباما، وسيناتورة ماساتشوسيتس إيليزابيث وارن، ونائب الرئيس جون بايدن. ومن المتوقع قريباً أن يدعمها ساندرز. وهذا يعني أنه عندما تبدأ الحملة الانتخابية بعد مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ستكون هيلاري قادرة على الاستعانة بعدد من الداعمين الذين يتمتعون بشعبية واسعة وخوض حملة متواصلة ضد ترامب.

وبالمقابل، مازال يتعين على ترامب العمل على توحيد صفوف حزبه الجمهوري والتغلب على حقيقة أن العديد من الجمهوريين، مثل عائلة بوش، لن يساعدوه، وربما لن يحضروا مؤتمر الحزب الجمهوري في كليفلاند. وإلى ذلك، فإن الصحافة، التي انتُقدت لتساهلها مع ترامب خلال الانتخابات التمهيدية، تستعد الآن للتحقيق في ماضيه وسياساته المقترحة، بقوة وجدية أكبر من الجهود التي بذلتها في هذا الصدد حتى الآن.

وهكذا، فإن مأساة أورلاندو تضمن أن ما كانت أصلا واحدة من أشرس الحملات السياسية في التاريخ الأميركي الحديث ستزداد الآن شراسة وقبحا وتطرفا. والسؤال الذي يُطرح الآن هو حول ما إن كان ترامب، الذي يبدو حساسا جدا بخصوص الهجمات السياسية، سيكون قادرا على تمالك نفسه والسيطرة على غضبه وإثبات أنه يستطيع تقلد دور القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية. لكن المؤشرات حتى الآن ليست جيدة، والعديد من القياديين الجمهوريين قلقون، ويخشون أنه ما لم يعمد ترامب إلى تقليل خطاب الكراهية، فلن يكون قادرا على الفوز بالبيت الأبيض، وقد يساهم في خسارة الجمهوريين لمجلس الشيوخ.