وليد شقير

تنذر معضلة العقوبات الأميركية المالية ضد «حزب الله» ومن يتعامل معه بعد التفجير الذي استهدف «بنك لبنان والمهجر» ليل الأحد الماضي في بيروت، بالتحول إلى مشكلة لبنانية داخلية فيما مصدر الأزمة خارجي.

فالعقوبات لمن لا يعرف، موجهة في الجزء الأكبر منها، أساساً، ضد المصارف الأميركية التي تقبل التعاملات المالية التي عليها شبهة استفادة الحزب ومن يتعاملون معه على الصعيد المالي منها، وليست موجهة مباشرة إلى المصارف اللبنانية. إلا أن الأخيرة معرضة لخطر وقف المصارف الأميركية الوسيطة والمراسلة التعامل معها، إذا اكتشفت أن بين معاملاتها التي هي مضطرة إلى تمريرها عبر هذه المصارف إذا كانت بالدولار الأميركي، ما يمت بالصلة إلى الحزب. وهذا يمنع المصرف اللبناني من القيام بالتحويلات لزبائنه العاديين ويجمد أعماله وكذلك أعمال هؤلاء الزبائن.

كما أن في القانون الأميركي ما يحظر على سائر المصارف في العالم قبول تعاملات مالية عليها شبهة الصلة بتبييض أموال لمصلحة الحزب، بما فيها المصارف اللبنانية، حتى لو كانت بعملة غير الدولار، كما جاء في المراسيم التطبيقية للقانون الأميركي في 15 نيسان (أبريل) الماضي. ولهذا أصدر مصرف لبنان المركزي في 17 أيار(مايو) الماضي تعميمه الذي ربط أي تدابير من أي مصرف، حيال أي حساب مالي عليه الشبهة، بإعلام «هيئة التحقيق الخاصة» فيه وأخذ رأيها... فهدف التعميم هو طمأنة المصارف الأميركية المراسلة حيال إمكان أن يطاولها القانون وبالتالي الحؤول دون أن توقف تعاملها مع نظيرتها اللبنانية. كما أن هدف التعميم تطبيق القانون مع الحذر من اتخاذ أي تدبير ضد أي فرد أو مؤسسة لم ترد على لوائح «أوفاك» التي تتناول من يفترض أن تطاولهم العقوبات، أو لا إثبات على تعامله أو تعاملها مع الحزب.

هذا على الصعيد التقني. أما على الصعيد السياسي، فإن مقاربة الأمر بمعزل عن العقوبات الأميركية على إيران والتي أدت إلى مصادرة قرابة بليوني دولار من أموالها المجمدة في الولايات المتحدة، يكون أشبه بدفن الرأس في الرمال. والمصارف الغربية تتلكأ في قبول تمويل مشاريع استثمارية في إيران بعد رفع الحظر عنها نتيجة الاتفاق على النووي معها، بسبب العقوبات التي فرضت على طهران، لسببين: رعايتها للإرهاب وزعزعتها الاستقرار في دول المنطقة نتيجة تدخلاتها في أوضاعها الداخلية، وبرنامجها للصواريخ الباليستية إذا كان يخالف الاتفاق على النووي، وفق قرار مجلس الأمن الذي صدر في هذا الخصوص. وثمة عامل ثالث وراء العقوبات هو إرضاء واشنطن إسرائيل بالضغط على الحزب، في سياق طمأنتها رداً على اعتراضاتها على الاتفاق في شأن ملف إيران النووي.

لا يختلف إثنان على أن «حزب الله» هو أحد «الصواريخ الباليستية البشرية» لطهران، باعتراف قيادته بأنه يقاتل في سورية والعراق واليمن وغيرها، وبالمواقف التي يتخذها في شأن أزمات المنطقة. فهو القوة العسكرية والأمنية العابرة للحدود التي يبرر قائدها السيد حسن نصرالله تدخلاتها بالقول إنه ليكون لك وزن في ما يرسم للمنطقة عليك أن تكون متواجداً ومؤثراً حيث تستطيع، لأن مسار الأحداث فيها سيرسم مصير لبنان أيضاً، قاصداً بذلك مصير الحزب طبعاً.
إن مشكلة الحزب مع الخارج، وليست مع الداخل والمصارف اللبنانية. وإذا كانت طهران تتفاوض مع مصدر العقوبات عليها، واشنطن، كما حصل أول من أمس في لقاء وزير خارجيتها محمد جواد ظريف مع نظيره جون كيري في أوسلو، لتحرير أموال صادرتها قوانين أميركية، فأمام الحزب خياران: إما أن يدخل عملية تفاوضية مع الجانب الأميركي مثلما فعلت طهران في الملف النووي لرفع العقوبات عنها، مع ما يقتضيه ذلك من الدخول في الأصول التقنية للتفاوض. وهو ما لم يفعله نظراً إلى أن القناة المفتوحة بينه وبين الأميركيين حتى الآن محدودة الدور والأهداف. أما الخيار الثاني فهو أن يربط معالجة العقوبات بالتفاوض الإيراني مع واشنطن مثلما حصل في لقاء ظريف- كيري. وهذا هو المرجح، لكنه يقتضي أن ينتظر الحزب أن تتوصل طهران إلى تسوية على الأزمات الإقليمية التي يلتحق الحزب بسلوكها حيالها، مع ما يعنيه ذلك من تشعبات دولية وإقليمية لا حصر لها.

يطرح الحزب حجة تطبيق بعض المصارف اللبنانية القانون الأميركي بشكل يفوق ما نص عليه القانون الأميركي، بحيث يمس بمصالح طائفة أكثر من الحزب. وهو أمر إذا صح، يعالجه مصرف لبنان وليس عبر معاقبة الداخل والتلويح بهز الاستقرار اللبناني والتلطي وراء الطائفة، للرد على الأميركيين.

فتحميل البلد برمته وزر العقوبات يعني أخذه، بكل أطيافه، رهينة التورط الإقليمي للحزب وجعله متراساً لرد مفاعيل هذا التورط.