&&هدى الحسيني& &

هل يعرف الرئيس السوري بشار الأسد كم من الناس الأبرياء يموتون، كي يبقى هو في السلطة، وكي تستمر إيران في استراتيجيتها القائمة على تفتيت الدول العربية، من أجل فرض سيطرتها ونفوذها؟

هل يعرف أن الجمهورية التي نصّبت نفسها حامية لـ«المستضعفين» على الأرض إنما تستغل هؤلاء وتبتز حاجتهم إلى كثير من الأمور الدنيا، وتستغل أيضا تدينهم البريء، ثم تجبرهم في أحيان كثيرة وتطاردهم، من أجل دفعهم للوصول إلى سوريا والقتال والموت كي تبقى هي ويبقى الأسد.

من أجل أن يبقى الأسد وسلطته يدفع آلاف الأفغان حياتهم ثمنًا لذلك. والخدعة الإيرانية تعتمد إما على تحريك العامل المذهبي لديهم، وإما الحاجة للخروج من الفقر المدقع الذي يرتلون فيه منذ وصولهم لاجئين إلى إيران بسبب الحرب في أفغانستان، ومجرد إبلاغ «المجند» براتب شهري يصل إلى 700 دولار في الشهر، فإنه يرى النجوم ترقص له في السماء.

حامية «المستضعفين»، صعّدت تجنيد المرتزقة في دولة دمرتها الحرب، وجدوا أنفسهم على أرض إيران بحثًا عن لقمة عيش كريمة، فانتهوا من دون أوراق شرعية عرضة لكل اتهام، لكن تسقط كل التهم عنهم، ويتم إطلاق سراحهم من السجون إذا ما قبلوا التطوع للقتال في سوريا دفاعًا عن طموحات جمهورية المستضعفين، ينضم هؤلاء الأفغان إلى ما يسمى لواء «فاطميون»، وحسب وسائل الإعلام الإيرانية يصل عددهم إلى 20 ألفًا.

لسنوات ظلت إيران ولواء «فاطميون» ينفيان أنهما يعملان معًا، كأن النخوة هبّت في قلوب الأفغان لمساعدة إخوتهم العرب في سوريا. لكن مع تزايد عدد القتلى منهم، اضطر المرشد الأعلى علي خامنئي إلى استقبال عائلاتهم، فأثنى على تضحياتهم قائلاً: «أنا فخور بكم». كان ذلك في شهر مارس (آذار) الماضي، وفي 7 يونيو (حزيران)، أصدرت الحكومة الإيرانية مقطع فيديو للترويج، يهدف إلى تجنيد عدد أكبر من الأفغان.

خُصص الفيديو إلى «الأبطال المجهولين في الأرض، المشهورين في السماء، ومقاتلي (فاطميون)». وفيه يبدو رجل أفغاني يتأمل صور الذين لقوا حتفهم من الأفغان في الحرب السورية، ويشجعه صبي وفتاة للانضمام إلى الحرب، ثم يرتدي زي الجيش واقفًا أمام صورة لخامنئي، ويضع شعار «فاطميون» على ذراعه، وترافق تحركاته أغنية دعائية بكلمات أفغانية تقول: «للعدو اللدود نحن السيف الحاد. نحن من الأمة الإسلامية ومن أفغانستان (..) نحن أتباع القرآن، ورثة الشهداء. سنملأ العالم بصدى كفاحنا، لدينا الصمود والثبات، ولدينا الإرادة والعزيمة».

كلمات تثير أصحاب الأنفس الضعيفة. توحي لهم بالبطولات الوهمية، وتدفعهم دفعًا إلى مكاتب الحرس الثوري في طهران، حيث يتم إجبارهم على القتال في سوريا، عبر استغلال حاجتهم إلى الوثائق القانونية أو للمال.

ضاقت طهران، فتطلع النظام إلى أفغانستان، حيث أعلن «الباسيج» (الميليشيا الإيرانية المتشددة التابعة للحرس الثوري)، عن افتتاح مقر له في هيرات شمال غربي أفغانستان. بدأ المقر يعمل في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، فنشر موقع «الباسيج» صور الافتتاح. لكن لم يكشف عن موقع المقر بالتحديد، ربما لحذر إيران بشأن عملياتها في بلد مجاور، لكنْ في الصور هناك قصّ للشريط، وعدد من الضباط الإيرانيين يرتدون الزي العسكري مع مجموعة من الأفغان المراهقين.

وكان خامنئي استخدم الحرس الثوري الذي خسر حتى الآن 50 جنرالاً على سفوح سوريا، الأمر الذي دفع إلى فتح مكاتب تجنيد في هيرات، هناك يتصيد «الباسيج» الأفغان التواقين لمغادرة أفغانستان بأي ثمن. عندما يشعرون بأن هناك فرصة ينصبون شباكهم. يروي أحد الأفغان الشباب قصته، وكيف ظل ملاحقا يوميًا لمدة شهرين ونصف الشهر، لإقناعه بأن الحرب في سوريا ستنقله إلى حياة أفضل: «سنرسلك إلى سوريا، وعندما تعود سنمنحك جواز سفر إيرانيًا، منزلاً، ومالاً. من حظك أنك ستقاتل (حربًا مقدسة) في سوريا».

تقول «كيهان» الصحيفة الموالية لخامنئي، إن «مجندي (فاطميون) يمضون ما بين 25 و35 يومًا في التدريب الخاص، قبل أن يتوجهوا إلى سوريا».

لقطات فيديو ومقابلات مع أفغان أسرى لدى الثوار السوريين، تكشف دور الأفغان الذين استعملوا في سوريا وقودًا لمدافع في حرب خارجية، لا يتحدثون العربية، ويعتقدون بأنهم يدافعون عن المقدسات الشيعية.. الخدعة الإيرانية تكبر وهي تعيد بعض الانتصارات المحددة إلى قوة المحاربين الأفغان، كما أن الإعلام الإيراني يضخم مآتم الأفغان أثناء تشييعهم في مشهد.

تروي أم أفغانية للصحافي سكوت بيترسون من صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» أنها ليست متأكدة من أن إيران ستفي بوعودها، على الرغم من أن ابنها حارب في سوريا ومات. كان ابنها غادر إلى إيران قبل سنة للعمل مع 20 أفغانيا آخرين في ورشة بناء. هناك أبلغهم صاحب العمل من استخبارات الحرس الثوري، أنه لن يدفع لهم إلا إذا قاموا بـ«جولة» في منطقة الحرب في سوريا.

قصص هؤلاء تعطي نظرة نادرة عن بعد المدى الذي تذهب إليه إيران الملالي لنشر قوة من المرتزقة الشيعة في سوريا، إلى جانب قوات النظام والقوات الإيرانية، ومقاتلي «حزب الله» من لبنان، إضافة إلى شيعة من العراق وباكستان. ساعد وجود هؤلاء على دعم حليف إيران بشار الأسد، الذي مكنه الدعم الجوي الروسي من تحدي التوقعات الدولية بقرب زوال نظامه، لكن ما حدث الأسبوع الماضي في حلب، يكشف أن كل القوة الإيرانية من «حرس ثوري» و«باسيج»، مضافًا إليها مقاتلي «حزب الله»، ولواء «فاطميون» وتنظيمات أخرى، ما كانت لتحقق أي تقدم لولا الغطاء الجوي الروسي. لم تطلع الطائرات الروسية، فتكبد الجيش النظامي و«حزب الله» الخسائر، وأدى هذا إلى مواجهة بين «الإخوة» الألداء، رغم أن النفي من قبل «حزب الله»، لم يوازه نفي من قبل الجيش السوري. والغريب بعد هذه الهزيمة أن النظام السوري أوعز إلى «حزب الله» بشن هجوم إعلامي على الدور الروسي في سوريا، فاتهم أنصار الحزب روسيا بأنها تخاذلت في حلب، وتعمدت إلحاق الضرر بالحزب بعد خلافها مع النظام. وطالبوا بكف اليد الروسية عن «إدارة الملف السوري».

إن اليأس الذي يلفح بخامنئي للإبقاء على الأسد في السلطة، صار واضحًا. ففي ظل الأسد تبقى سوريا حليفًا رئيسيًا لإيران، لكن إذا سقط الأسد، فمن المرجح أن الأغلبية السورية السنية ستقلب كل الطاولات. من هنا جاء إصرار إيران وإصرار «حزب الله» على تسمية المقاتلين السنة بـ«التكفيريين».

لقد تحولت سوريا إلى مستنقع كامل ومأزق استراتيجي للنظام الإيراني. بالنسبة إلى خامنئي، فإن نهاية حكم الأسد هو خط أحمر لبقاء النظام في إيران. وتجنيد الأفغان يمثل جزءًا حيويًا للحفاظ على نفوذ إيران في سوريا وثقة النظام أمام شعبه.

أينما وجدت الفوضى في الشرق الأوسط، نجد إيران تتمدد في محاولة لكسب النفوذ أولا والهيمنة ثانيًا، ومع أن لا إشارة واضحة عن المنتصر حتى الآن في الحرب الأهلية في سوريا، فإن إيران تبقى على استعداد لتلقف أي مساعدة يمكن أن تحصل عليها كي تبقى في المعركة. ورغم أن الصورة تبدو أنها تجند الأفغان، حتى رغما عنهم، فإن الحقيقة هي أن النظام الإيراني في حاجة إلى هؤلاء، فالنيران على الساحة السورية يجب أن تبقى مشتعلة بوقود سوري لبناني أفغاني، كي يستطيع «الأخ الأكبر» التسويق للعالم الغربي بأن لا غنى له عن إيران، وقد جاء الآن دور محمد جواد ظريف، وزير الخارجية، الذي قال الأسبوع الماضي في النرويج إنه صارت لديه سلطة أوسع في الملف السوري، وإن إيران مستعدة لإظهار مرونة أكبر للتوصل إلى حل سياسي.

وقد تكون هذه خدعة إيرانية جديدة للإدارة الأميركية، خصوصًا أن فيها من يصغي لخامنئي وهو الرئيس باراك أوباما الذي لم يبق لديه سوى أشهر معدودة في البيت الأبيض، ولا بأس بالتالي من اتفاق جديد إيراني - أميركي هذه المرة حول نظام الأسد في سوريا.

&

&

&