محمد خروب

اليوم... ستُحدِّد نتائج الاستفتاء الذي يذهب فيه البريطانيون الى الصناديق، مُستقبَل الكثير من المؤسسات والشخصيات والأحزاب والاقتصادات, إن داخل بريطانيا نفسها أم على المستويين الأوروبي والدولي، فالحدث اليوم غير مسبوق في دلالاته وفي مآلاته ولن ينحصر بين «الكلمتين» اللتين يتوجب على كل صاحب «صوت» ان يختار احدهما «نعم» أم «لا».. لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الاوروبي او خارجه ، بل لكل نتيجة كُلفتها, فإن قالوا «نعم» للبقاء, أياً كان الفارق ضئيلاً, فان معارضي «الاوربة» سيدفعون الثمن, سواء كانوا داخل حزب المحافظين الحاكم نفسه حيث انبرى ستة وزراء لمعارضة توجه ديفيد كاميرون المتحمس للبقاء (ولكن بشروط افضل لبلاده) أم كانوا من خارجه حيث يتوجب على الذين تصدروا حملة «بريكست» اي مَنْ يريدون «الطلاق» مع بروكسل بما هي مقر الاتحاد، ان يعترفوا بهزيمتهم وأن يتنحوا جانباً ويكفّوا عن «الازعاج» لان الشعب قال كلمته، ما بالك في تداعيات اي من النعم او اللا, على «الشريك» الاسكتلندي في المملكة المتحدة حيث سينتعش (تيار الاستقلال) اذا ما صوّت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، لأن رافضي البقاء في اطار المملكة المتحدة الذين خسروا الاستفتاء قبل عامين (2014) عندما صوتت اغلبية 55% لصالح البقاء في المملكة, سينتهزون «الفرصة» ويقولون: انهم مع البقاء في الاتحاد الاوروبي, ولهذا فإنهم يرغبون بالانفصال عن «المملكة المتحدة».

لهذا و»غيره» وصف ديفيد كاميرون ما سيجري اليوم بانه «استفتاء القرن التاريخي»، وهو كان غامر بمستقبله السياسي عندما دعا الى هذا الاستفتاء، والذي يبدو انه «نَدِم» على اقتراحه، بعد ان كاد المعارضون لبقاء البلاد في الاتحاد ان يتجاوزا حاجز النصف زائداً واحداً , وهو امر دفع بعواصم عديدة,اوروبية وغير اوروبية, الى الاستنفار والبحث المعمق عن البدائل والخيارات وقياس الارباح والخسائر, فضلاً عن استخدام وسائط ضغط عديدة وارسال رسائل للبريطانيين خصوصاً من قِبَل المؤيدين لبقائها داخل الاتحاد الاوروبي, تحثهم على التصويت للبقاء وتدخلت وسائل الإعلام من صحف وفضائيات غربية في «المعركة» معظمها لصالح المعسكر الداعي للبقاء, ولعل ما يلفت الانتباه في هذا الشأن هو الموقف «المثير» لصندوق النقد الدولي, الذي حذّر من خيار الخروج البريطاني من الاتحاد, لما له من اثر سلبي وكبير على اقتصاد بريطانيا نفسها !!

من هنا تأتي اهمية ما سيقوله البريطانيون اليوم, ليس فقط لان «هوية» بريطانيا ستتغير جذرياً - وربما مستقبلها كمملكة متحدة - بل وايضا لان احتمالات تفكك الاتحاد الاوروبي ستكون واردة, وربما اسرع مما يتصوره كثيرون, إذا ما قال البريطانيون «نعم» (للخروج بالطبع) وهذا قد «يُغري» دول عديدة في «الجنوب الاوروبي» تُعاني اوضاعاً اقتصادية صعبة وتشعُر حكوماتها والشعوب، بأن بروكسل تمارس عليهم نوعاً من «الابوية» والوصاية والانتقام, على النحو الذي تشعره مثلاً حكومة اليسار في اليونان بزعامة اليكسيس تسيبراس وائتلافه الحاكم المسمى سيريزا, ناهيك عما يحدث في البرتغال واسبانيا والصعوبات البنيوية التي يواجهها اقتصاديهما بل إن فرنسا وايطاليا رغم حماستهما للبقاء في الاتحاد, الا ان اقتصاديهما متعثران هما أيضاً.

ولان الشيء بالشيء يذكر، فإن ما يحدث في بريطانيا اليوم، رغم عدم اليقين من نتائجه, إلاّ ان دول الاتحاد الاوروبي لن تَعْدم وسيلة (ديمقراطية بالطبع) لمعالجة اثار النتائج التي سيُسفر عنها استفتاء اليوم، سواء قال البريطانيون اليوم نعم للبقاء ام اختارت اغلبية (مهما كانت ضئيلة) الخروج من الاتحاد والتحرر من «بيروقراطية» وقرارات بروكسل الفوقية, التي تحمي مصالح «كبار» الاتحاد والدول صاحبة الاقتصادات القوية فيه وعلى رأسها المانيا، لكن التراشق بالخيانة والغدر واللجوء الى الثأر والانتقام على «الطريقة العربية», لن يكون وارداً مهما حدث. وهنا يتساءل المرء ماذا لو قررت دولة عربية «ما» الخروج من جامعة الدول العربية, رغم بؤس الاخيرة وانعدام تأثيرها وفقدانها لاحترام وحماسة الشعوب العربية، هل ستلجأ تلك الدولة الى استفتاء شعبها؟ ام ان «الزعيم» هو الذي يُقرّر وما على الشعب إلاّ الخروج للتأييد ودعم الفكرة الوطنية العبقرية للقائد الذي يعرف مصلحة الشعب ويُفكِّر... عنه؟

ثمة ما يدعو للرثاء والغضب اذا ما قارنّا بين الحالين، إلاّ ان الديمقراطية وثقافتها تبقى - رغم كل المآخذ عليها - هي الطريق الأسلم والانجع والاسرع لتحقيق الاهداف الوطنية, شريطة ان يكون هناك ديمقراطيون «حقيقيون» إذ لا ديمقراطية دون وجود مِثل... هؤلاء.