&فاتح عبد السلام

&حين ذهبت قبل يومين الى مركز الاستفتاء على خروج بريطانيا أو بقائها في الاتحاد الأوروبي ، كان المركز الصغير خالياً إلا من رجل وامرأة ، يجلسان الى منضدة. خلت في البدء انني دخلت الى المكان الخطأ ، وتلفتُ يميناً وشمالاً ،لكن ابتسامة المرأة العجوز جعلتني أحسم الأمر وأتقدم نحوها من أجل التصويت .

لم تطلب مني هوية اثبات الشخصية ، سألتني عن عنواني فقط ، وكان اسمي واضحاً أمام العنوان ولم تستغرق اكثر من خمس ثوان في ايجاده بالورقة في يدها، وقالت تفضل استلم بطاقة الاستفتاء من الرجل الذي يجلس الى جانبها. تناولت الورقة وكان فيها خياران، البقاء ضمن الاتحاد الاوروبي أو الخروج منه ، وكان هناك على الطاولة المخصصة للكتابة قلم رصاص قصير فوضعت العلامة، ومضيت واضعاً الورقة في صندوق الاقتراع و مغادراً. ولم أر أحداً يدخل بعدي الى المركز وقدرت ان اغلب الناس في وظائفهم الآن وسيجدون وقتاً مناسباً للتصويت المفتوح حتى المساء.

لم يطلب أحد مني وضع أصبعي في الحبر البنفسجي أو الأحمر ، مثلما كان يكفيهم مني انني قلت لهم هذا هو اسمي الموجود في الورقة امام عنواني ، كما انهم تركوا لي قلم رصاص وليس قلماً ذا حبر لا يمحى. كانوا واثقين من الناخب وكان الناخبون واثقين منهم أيضاً. كيف لا وهذه بلاد أعرق الديمقراطيات حقاً.

مفردات بسيطة لعالم من الاطمئنان لشعب يريد أن يعرف الحقيقة في التصويت،لا أحد يشغله همّ التزوير لأنه سيزيف كل شيء يأتي بعده. والمجتمع لا يعمل في أي مفصل من مفاصله في هذه الآلية أصلاً.

القاعة كانت هادئة فارغة ، ليس لضعف مشاركة المستفتين الذين تجاوز عددهم في بريطانيا خمسة وثلاثين مليوناً ، ولكن لأنهم وزعوا المراكز الانتخابية بطريقة تفصيلية لكل بضعة شوارع مركز ووضعوا لادارته شخصين وهما غالباً من المتقاعدين والمتطوعين ولم يؤثروا على حركة العمل والحياة في البلاد في ذلك اليوم الذي لم يكن عطلة رسمية وانما مناسبة لمزيد من العمل ، وكانوا قد حسبوا في هذا التوزيع حساب طمأنينة الناخبين وراحتهم. لاسيما ان بريطانيا تملك من مباني المدارس بأنواعها ما يؤهلها لاحتضان فعالية اية انتخابات او استفتاءات بهدوء ودعة مهما كانت كبيرة.

الشعب ينتخب ليرى الأفضل والشعب يستفتي واعياً لما يقوم به ليكتشف أين حقيقة الأصوات التي تنادي بالخروج من الاتحاد الاوروبي وأين حجم سواها . الحكومة كانت مع البقاء لكن النتيجة جاءت مع الخروج من الاتحاد . هناك صوت يغلب الاصوات الرسمية ،هو صوت العقل الذي تجسد اليوم بصوت الشعب مهما كانت نتيجة الاستفتاء مفاجئة لي أو لملايين غيري . لايهم ، ثمة عمل مهم جرى انجازه بطريقة صحيحة.

انه درس عميق يحتاج العراقيون أن يتأملوا فيه عميقاً.

وليفكر العراقي كيف ان الدول تصنع وتصدر اليه الحبر البنفسجي لكنها تحرم استخدامه مع شعوبها لأنه ينتقص من سمعتهم ونزاهتهم.

&

&