&الاتفاق التركي الإسرائيلي: حصار غزة وجدلية المصطلحات من «الرفع» و«التخفيف» إلى «تقديم تسهيلات»

&

إسماعيل جمال&

& من الرفع الكامل للحصار الإسرائيلي على غزة، إلى المطالبة بتخفيفه، وصولا لتقديم بعض التسهيلات لسكان القطاع المحاصر منذ 10 سنوات، تنوعت المصطلحات والتوصيفات التركية المتعلقة بشرط تركيا الثالث من أجل إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

فمن المؤكد أن تركيا أبدت صلابة كبيرة فيما يتعلق بشرط رفع الحصار عن قطاع غزة على مدى عدة سنوات من المفاوضات، لكن التعنت الإسرائيلي كان أكبر، ولعبت تل أبيب على عامل الوقت والمتغيرات التي دفعت بأنقرة إلى تقليل سقف مطالبها في مسعى لإنجاح برنامج الحكومة الجديدة القائم على تقليل الأعداء وزيادة الأصدقاء لها في المنطقة، على حد وصف رئيس الوزراء بن علي يلدريم.

فالمتغيرات الدولية والإقليمية والخسائر الكبيرة التي لحقت بأنقرة نتيجة الخلافات مع إسرائيل ومصر وسوريا وإيران وروسيا ودول أخرى دفعت الحكومة لإعادة حساباتها والبدء بالبحث عن أي إنجاز لإثبات السياسة الجديدة، فكانت إسرائيل الأقرب لتحقيق هذا الهدف.

صحيفة «حرييت» التركية، نشرت الثلاثاء تقريراً عن سير المفاوضات، أوضحت فيه أن تركيا وإسرائيل ستعلنان يوم الأحد المقبل قرارهما بإعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية وإنهاء التوتر القائم بين البلدين منذ حادثة الهجوم الإسرائيلي على سفينة المساعدات التركية التي كانت متجهة إلى غزة ومقتل 10 متضامنين أتراك.

ولفتت الصحيفة نقلاً عن مصادر في الحكومة التركية إلى أن المسؤول في وزارة الخارجية والممثل الدائم لتركيا في الأمم المتحدة فريدون سينيرلي أوغلو، سيلتقي الأحد مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل الإعلان عن إنهاء الأزمة التي امتدت ست سنوات بين البلدين.

وبموجب الاتفاق الذي قالت الصحيفة إنه سيعلن رسميا في تموز/يوليو وستبرم المصالحة نهائيا قبل نهاية تموز/يوليو مع تعيين سفيرين للبلدين، ستسمح إسرائيل لتركيا ببناء محطة لتوليد الطاقة وأخرى لتحلية المياه في قطاع غزة، مع السماح لتركيا بإتمام بناء مستشفى بدأت العمل عليه منذ سنوات في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع.

وستعتبر أنقرة هذه الخطوات بمثابة استجابة إسرائيلية للشرط الثالث المتعلق بغزة، وذلك بعد أن نفذت تل أبيب الشرط الأول عام 2013 والمتمثل في تقديم اعتذار، والاتفاق على تلبية الشرط الثاني القاضي بدفع تعويضات مالية لضحايا الهجوم الإسرائيلي.

ورفضت إسرائيل في السابق العديد من المطالب التركية المتعلقة برفع الحصار عن غزة، كما رفضت السماح بإيصال المساعدات التركية عبر ميناء غزة البحري، ورفضت أيضاً إيصال المساعدات التركية بشكل مباشر للقطاع، وأخيراً رفضت مقترح إرسال محطة عائمة على ظهر سفينة لتوليد الطاقة الكهربائية للقطاع الذي يعاني بشكل كبير من مشكلة انقطاع الكهرباء معظم ساعات اليوم منذ سنوات طويلة.

ولم توضح التفاصيل الواردة حتى الآن طبيعة الاتفاق المتعلق بتقديم هذه التسهيلات للقطاع، كما أنه من غير الواضح ما إن كانت تل أبيب ستقدم ضمانات لأنقرة حول سرعة تنفيذ التسهيلات للقطاع واستمرارها، خاصة في ظل التعقيدات التي ترافق أي مقترح لحل أزمة الكهرباء فيه.

فتنفيذ أي تسهيلات كبيرة تتعلق بقطاع غزة يحتاج إلى موافقة وتنسيق كامل مع السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس الذي أبدى مقربون منهم عدم ارتياحهم لأي خطوة تركية لا تتم من خلال السلطة، كما أن رفع الحصار بمعناه الحقيقي يرتبط بفتح معبر رفح البري مع مصر وهو أمر غير ممكن أن يشمله الاتفاق في ظل انقطاع العلاقات بين أنقرة والقاهرة منذ الانقلاب العسكري الذي قام به الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي.

ويبقى الخيار الأرجح والواقعي في ظل جميع هذه التعقيدات أن أنقرة ربما تتمكن من الضغط على الجانب الإسرائيلي لتقوية خطوط الكهرباء التي تغذي قطاع غزة بما يسد النقص الحاد الحالي، بجانب العمل على إصلاح خطوط المياه وبناء محطات تحلية صغيرة في المناطق التي تعاني من نقص كبير، إلى جانب تقديم تسهيلات خاصة لتركيا من أجل إيصال مزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع من خلال ميناء سدود الإسرائيلي بعد خضوعها للتفتيش.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الأتراك سيحاولون إعتبار ذلك تحقيقاً لشرطهم برفع الحصار عن غزة، إلا أن الحصار يشمل جوانب أوسع بكثير تتضمن حرية الحركة والتنقل وإدخال البضائع ومواد البناء ومساحة الصيد البحري والعديد من الجوانب الأخرى التي لن يشملها الاتفاق.

وفي جانب آخر من الاتفاق، لم تتكشف بعد التفاصيل المتعلقة بوضع حركة حماس في تركيا، حيث كانت الحكومة الإسرائيلية تطالب بإغلاق مكاتب الحركة وطرد قياداتها من تركيا لا سيما الشيخ صالح العاروري القيادي البارز في الحركة الذي كان يعيش في إسطنبول.

مصادر خاصة في حركة حماس من إسطنبول، أوضحت لـ»القدس العربي» أن الحكومة التركية لم تبلغ الحركة بتفاصيل الاتفاق، مرجحاً أن لا يحمل جديدا فيما يتعلق بوضع حركة حماس وقياداتها في تركيا.

وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه: «فيما يتعلق بالشيخ صالح (العاروري) فهو منذ أشهر طويلة لا يقيم في إسطنبول ويزورها لأيام قليلة بالتنسيق مع السلطات، كما أن الحركة ليست لها مكاتب رسمية لتقوم الحكومة بإغلاقها، والحركة تمارس نشاطات سياسية متعددة من خلال الجمعيات والمؤسسات والمراكز البحثية التابعة لها وليس لها أي نشاط عسكري واعتقد أن الحكومة التركية لن تمس بهذه المؤسسات».

ولفت إلى أن «الحركة عملت على عدم إحراج تركيا واتخذت إجراءات، من أجل مصلحة الطرفين، فحماس تعلم حجم الضغوط على أنقرة وفضلت عدم الظهور الإعلامي من تركيا دون أن تطلب الحكومة ذلك، وقيادة الحركة مع تقديم التسهيلات لأي اتفاق من الممكن أن يعود بالفائدة على سكان قطاع غزة، وبالتالي هناك توافق ضمني بين تركيا والحركة وتفهم لمواقف بعضهما البعض».

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قال الخميس، في مؤتمر صحافي في العاصمة أنقرة: «المفاوضات مع إسرائيل ما زالت مستمرة من أجل تطبيع العلاقات، لكن ليس قبل تنفيذ الشرطين الباقيين (رفع الحصار عن غزة والتعويضات)» وذلك بعد يوم واحد من تأكيده على أن التوقيع على اتفاق نهائي في هذا الشأن مرتبط بالموقف الإسرائيلي.

وأضاف: «سيكون من الممكن إبرام اتفاق خلال الاجتماع المقبل عملاً بالإجراءات التي تتخذها إسرائيل» بدون تحديد موعد عقد مثل هذا اللقاء، مؤكداً أن شروط أنقرة من أجل تطبــيع العلاقات «واضحة ومحددة ولا بد من تنفيذها كلها».

وحول العلاقة مع حركة حماس الفلسطينية، قال جاويش أوغلو: «علاقاتنا بحركة حماس ليست سرية، ولا يمكن إجراء مفاوضات سلام بين فلسطين وإسرائيل بدون حماس». لافتاً إلى أن بلاده لا تسمح لأحد أن يحدد طبيعة علاقاتها مع الحركة.

وتعقيباً على هذه التصريحات، أعرب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عن شكره لتركيا وقيادتها، لدعمها القضية الفلسطينية واشتراطها رفع الحصار عن غزة مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على حد تعبيره، قائلا: «تصريحات وزير الخارجية التركي ردت على ما قيل عن مصادر مكذوبة بشأن التطبيع مع إسرائيل، يُشكر الأتراك وتُشكر القيادة التركية أنها وضعت شرط كسر الحصار عن غزة، ولو تخلت تركيا عن هذا الشرط لتفاهمت منذ زمن».