عبده خال

كانت إذا ظهرت جريمة بشعة ورغب المجتمع في محوها عن كاهله قيل أن هذه الجريمة لا تمت لمجتمعنا بأي صلة، أو قيل أن سبب قتل أم أو أب يعود إلى ضعف الوازع الديني حتى إذا انبثقت الصحوة ورجالها وجدنا أن الوازع الديني نما وتم توجيهه إلى بلدان عديدة، ثم انتشر وفق أجندة الصحويين (وتنوع انتماءاتهم) بحيث يتم توجيه الشباب إلى أي مكان يحقق الهدف حتى إذا ظهرت القاعدة (وربيبتها داعش) كان منظروها وأنصارها أكثر دموية فتدرجت مفاهيم التكفير واتسعت رقعتها حتى بلغت ذروتها في قتل أي معارض لنهجهم، واعتبار المعارض لتوجهها كافرا، فدخل في هذه الدائرة الحكام والعلماء ورجال الدولة ورجال الأمن والكتاب، ومع اتساع دائرة التكفير كان المحرضون يدفعون بالشباب إلى كل موقع يحقق لهم نصرة أهدافهم إذ تجمعت كل الحركات الإسلامية على هدف واحد هو إقامة الخلافة ومن ينكر هذا الهدف يغدو كافرا يحل دمه وماله وعرضه... هذا التجمع جعل كل الحركات تسعى إلى مناصرة بعضها بعضا حتى وإن كانت الخلافات محتدمة فيما بينهم إلا أنها كانت مؤجلة فقدموا تحقيق الهدف الرئيس على خلافاتهم مع عدم إظهار الاختلافات السياسية على مسامع الاتباع.

وقد حانت فرصة تاريخية (مع ظهور الإخوان في السلطة) إذ بدأ الفرز بين تلك الجماعات الحركية حتى أن الإخوان السعوديين والقاعديين والدواعش وسعوا أحلامهم بالدعوة للجهاد في كل أرض عربية ليتقاسموا الإمارات الإسلامية وتوحيدها مستقبلا.. ومع هزيمة الإخوان كانت الساحة الدعوية قد أظهرت كثيرا من المحرضين وتكشفت لنا كثير من الحقائق التي خبأها أولئك المحرضون.

فلماذا لم يتعظ الشباب من كل تلك الحقائق؟

ومن غير الخوض في التفاصيل يمكننا اللجوء إلى تاريخ سجل تلك الحركات التي توغلت في المجتمع وأخذت تغذيه بكل أنواع التحريم والتكفير حتى غدا الفرد منا مفتيا خاصا، يطلق الأحكام الفقهية على جميع المناشط الحياتية بالتحريم، فالطفل يحكم بالتحريم على أي شيء والكبير يجيز ويؤمن على أي حكم فقهي يقال له ويتحول إلى باث للحكم.. كلنا أصبحنا فقهاء واجتمعنا جميعا على توسيع رقعة التكفير حتى إذا تم استقطاب الشباب (حديثي السن والتجربة) كانوا جميعهم مهيئين لأن يموتوا لنصرة الإسلام وفق التغذية الثقافية والدينية التي حملوها منذ نعومة أظافرهم والدليل أن من يقتل هم من تربوا في حضانة التكفير.

والآن يعيش القتلة (باسم الدين) بين ظهرانينا بعد أن تمت محاصرتهم داخل البلد وعدم السماح لهم بالمغادرة إلى أراضي الفتنة هذا التحرز الاحتياطي قابله المحرضون بخطة أكثر خبثا ووحشية إذ تم التحريض على الأقارب ففي هذا المحيط يتحرك القاتل آمنا غير مشكوك في نوازعه فيقدم على تنفيذ جريمته بقتل كل من يخالف التيارات الإسلامية الحركية (أو التيار المنتمي له) بدم بارد وحجته أن هؤلاء كفرة سواء كان أبا أو أما أو أخا أو خالا أو عما وفي قتل هؤلاء الأقارب نصرة لله ورسوله...هذا ما وصلنا إليه من تغذية فاسدة..

وإن أردنا الفكاك مستقبلا من هذه الدموية فيجب الوقوف بصرامة إزاء المحرضين سواء كانوا شخصيات أو مؤسسات أو جمعيات واعتبار المحرضين كالقتلة يطبق بحقهم عقوبة الجريمة المقترفة.

وعندما أقول مستقبليا فأنا أقصد ذلك لأن الوقت الراهن نحن نقطف ثمار سنوات الصحوة.

أخيرا يمكن القول: عندما يشدد بعض الدعاة على قتل (الكفار) يغدو المتطرف رصاصة قابلة للتوجيه والانطلاق في أي وقت، خاصة اذا اتسعت دائرة التكفير.