مشاري الذايدي& &&

يميل الناس عادة إلى تمجيد صفات الشجاعة الفردية المتجسدة في القتال وحمل السلاح ومنازلة الفرسان. لكن الأهم من هذا النوع من الشجاعة الفردية، هو شجاعة النفس وعمق الغاية الكبرى، التي يسخر لأجلها كل الصفات من شجاعة وكرم وحلم وحزم.

من كان له هدف كبير، لا يضيع الدرب إليه، ولا تصرفه عنه شواغل الطريق، هؤلاء ندرة، من أهمهم في تاريخ الجزيرة العربية، بل في تاريخ العرب كلهم، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، مؤسس المملكة العربية السعودية.

ندع طرفا من الحديث، لمن خبر صفات الحاكم النبيل هذه في شخص ونهج عبد العزيز:

يقول الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله، وهو يتحدث عن مرحلة الكويت، عبد العزيز وأسرته وأنصاره:

«على الرغم من هزيمتهم في عدة معارك، فإنه ما كاد يستعيد جيش أبيه، الصغير في ذلك الحين، حتى هبَّ لاستعادة بلاده تحدوه قوة إيمانه، وقد صمم على الموت أو الفوز بالرياض».

«أذكر على سبيل المثال أنه كان في موقعة تدعى (موقعة الحريق) فدارت الدائرة أثناء القتال على جيشه، وهم الجنود بالفرار، فبرز في مقدمة الصفوف ممتطيا جواده ومتقلدا سيفه ونادى: أيها الإخوان، من كان يحب عبد العزيز فليتقدم، ومن كان يؤثر الراحة والعافية فليذهب إلى أهله، فوالله لن أبرح هذا المكان حتى أبلغ النصر أو الموت».

ثم يروي، فيصل، هذا المثال المعبر عن صفة الحاكم النبيل، فيقول:

«أذكر أنه لما وقع الخلاف بينه وبين الإمام يحيى إمام اليمن السابق، لم يتعجل الشدة، وجعل يحاول حلَّ ما وقع بينهما من خلاف باللين والحلم، حتى كدنا - نحن أبناءه ورجال دولته - أن نرميه بالضعف، فلم يعبأ بنا وسار في طريقه إلى الحد الذي لا ملام عنده للائم، ثم اضطر إلى السيف اضطرارا، وعندما توسط سادة من العرب بين الملكين، كان سريعا للكف عن القتال». (مجلة المصور) المصرية 1948، كما نقله محمد منير البديوي في كتابه (المتوكل على الودود عبد العزيز آل سعود ص 294 - 295).

يعني هذا أن الحاكم صاحب الرؤية البعيدة، قضاياه ليست شخصية، هناك هدف أعلى، لا يشيح النظر عنه، ومن أجله تكون الحرب، ومن أجله يكون السلام.

كثيرة هي القصص التي تروى عن عفو عبد العزيز وتنازله عن حقوقه الشخصية، ولكنه فيما يخص «الصالح العام» وفكرة الدولة نفسها، لا يناور ولا يداور، ولا يتنازل حبة خردل، ويثبت للأخير.

هذا سر من أسرار نجاح ملحمة عبد العزيز، بعد كفاح أخذ من حياته أكثر من ثلثيها.

&

&

&

&