&يوسف مكي&

يذهب البريطانيون المعارضون للخروج من الاتحاد الأوروبي بعيدا في تشاؤمهم، فيشيرون إلى أن النزعات الانفصالية داخل المملكة المتحدة ستتصاعد مباشرة بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد

أيا تكن مواقف البريطانيين، والنتيجة التي تمخضت عن تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن يوم الجمعة الماضي، كان يوما أسود بامتياز بالنسبة لأرباب المال، وحملة الأسهم في الأسواق العالمية قاطبة. فقد تسببت نتيجة الاستفتاء في خسارة 3 تريليونات من الدولارات، في يوم واحد. كما تراجع الجنيه الإسترليني، بشكل واضح.

وفي السياق ذاته، أعلن بنك إنجلترا، استعداده لضخ 250 مليار جنيه إسترليني في الأسواق، للتأكد من وفرة السيولة.

ورغم أن نتائج التصويت على الخروج من الاتحاد قد جاءت لصالح دعاة "الاستقلال"، فإن الفارق بين المؤيدين والمعارضين ليس كبيرا، بما يعني أن هناك شرائح كبيرة من البريطانيين لا تزال واقفة ضد قرار الخروج.

فمن جهة، هناك أصوات عالية، داخل المجتمع البريطاني، تطالب بإعادة الاستفتاء، حيث اندفع عشرات الألوف من البريطانيين، إلى موقع مجلس العموم البريطاني البريطاني، مطالبين باستفتاء ثان. ومن جهة ثانية، اندفع أكثر من 40 ألف شخص من المقيمين في العاصمة البريطانية لندن، مطالبين باستقلال العاصمة عن المملكة المتحدة، وبقائها ضمن الاتحاد الأوروبي. ويبررون ذلك بأن 60% من الذين صوتوا في الاستفتاء، قالوا نعم للبقاء في الاتحاد، في حين أن نسبة من صوتوا لصالح الخروج لم تتجاوز الـ52% ومن وجهة نظرهم، فإن مصلحتهم تقتضي أن تبقى لندن، مدينة دولية.

يتعلل المؤيدون لخروج بريطانيا من الاتحاد، بعدة أسباب، منها أنهم يقدمون قرابة 13 مليار يورو، وأن الامتيازات التي يحصلون عليها، جراء بقائهم في الاتحاد، لا تعادل هذا المبلغ. ويرون أن البريطانيين خسروا كثيرا جراء عضويتهم في الاتحاد الأوروبي.

يتعلل المصوتون لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد، بأن بقاءها في عضويته سيغرق بلادهم بملايين المهاجرين الذين تعاظمت أعدادهم في السنوات الأخيرة، بسبب الأحداث التي شهدتها البلدان العربية. تحديدا ما جرى في ليبيا والصومال وسورية والعراق واليمن، وأن ذلك يهدد الاقتصاد البريطاني، ويؤدي إلى ضعف التجانس داخل المجتمع، ويشوه الهوية والثقافة البريطانيتين. ويشيرون أيضا، إلى أن معدلات البطالة التي يعاني منها الشباب في بريطانيا، ستزداد بسبب حيازة عشرات الألوف من الأوروبيين الوظائف التي ستكون من حصة البريطانيين، حال الخروج من عضوية الاتحاد.

أما الذين صوتوا لبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد، فإنهم يعلقون على موضوع البطالة بالقول: إن خروجهم من عضوية الاتحاد،

سيحرمهم من حرية التنقل والعمل في القارة الأوروبية.

إن عضوية بريطانيا في الاتحاد، أتاحت للبريطانيين حرية التحرك بالهوية الشخصية، ومن غير حاجة إلى تأشيرة دخول، حتى ضمن الدول التي لم تنضم إلى اتفاقية شنغن.

ويشير هؤلاء إلى أن كلفة العيش والسفر، ستتضاعف بالنسبة للبريطانيين، نتيجة تراجع قيمة الجنيه الإسترليني أمام اليورو، مما يقلص قدرتهم الشرائية، ويحرمهم من الامتيازات والتسهيلات الممنوحة لشركات الطيران التي تعمل في المجال الجوي الأوروبي. كما أن كلفة المكالمات الهاتفية، عبر الهواتف النقالة، ستكون أعلى منذ الآن فصاعدا بالنسبة للبريطانيين، إذ كانوا يخضعون لأسعار موحدة على صعيد دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مزايا أخرى يتمتعون بها أثناء السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي.

ويرد المؤيدون للبقاء في الاتحاد، على موضوع تسبب وجود الأجانب في ازدياد البطالة، بأن أكثر من واحد وثلاثة أعشار مليون من البريطانيين يعملون في دول الاتحاد، بسبب المزايا التي أتاحتها لهم العضوية فيه. وأن هؤلاء سيضطرون إلى العودة الآن إلى بريطانيا، وسيتسبب ذلك بالتأكيد في ارتفاع نسبة البطالة.

ليس ذلك فحسب، بل إن المتشائمين بخروج بريطانيا من الاتحاد، يشيرون إلى أن ذلك سيشكل بداية العد التنازلي له، ويستندون في ذلك إلى أنه في أثناء الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن أزمة الرهن الأميركية، جرت مطالبات بخروج الدول الفقيرة من الاتحاد. وذكرت اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، وبعض دول أوروبا الشرقية بالاسم، أن خروج القوة الثالثة اقتصاديا من الاتحاد، سيترك آثارا سلبية على مسيرته. وقد جوبه القرار بمواقف غضب من الأوروبيين، وبشكل خاص من فرنسا وألمانيا، الدولتين الراعيتين لفكرة تأسيس الاتحاد، منذ أوائل الخمسينات من القرن المنصرم، حين بدأ فكرة، وتحول إلى سوق أوروبية مشتركة، ثم اتحاد أوروبي، بعملية نقدية موحدة.

ويذهب البريطانيون المعارضون للخروج بعيدا في تشاؤمهم، فيشيرون إلى أن النزعات الانفصالية، داخل المملكة المتحدة ستتصاعد مباشرة بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد. لقد ضمن الأسكتلنديون وجزء من أيرلندا، عدم المطالبة بالانفصال، لأنهم باتوا جزءا من كيان أكبر، عابر للقوميات، كيان يشمل القارة الأوربية بأسرها. أما وأن بريطانيا قد اختارت القطع مع الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سيعيد الاعتبار للمطالبات السابقة، لأسكتلندا وأيرلندا بالانفصال عن المملكة المتحدة. ويتوقع أن ترتفع نبرة المطالبات باستفتاءات محلية، داخل بريطانيا، حول البقاء أو الخروج منها. وقد رأينا مطالبات كهذه بدأت تأخذ مكانها في العاصمة البريطانية ذاتها.

لعل الوقت ما يزال مبكرا، للقول إن بريطانيا ستشهد الأيام القادمة أياما صعبة، لكن المؤشرات على ذلك بدأت تفصح عن ذاتها، وليس علينا سوى الانتظار.