&محمد العسومي

اهتزت أوروبا واهتز معها العالم بعنف الأسبوع الماضي بعد أن قرر الناخبون البريطانيون خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي في وقت سيئ للاقتصاد العالمي، والذي تكبدت أسواقه المالية ثلاثة تريليونات دولار في يوم الجمعة الأسود. التأثيرات سواء سلبية أو إيجابية ستشمل كافة بلدان العالم، والتي تقوم حالياً بتقييم عملية الانفصال وانعكاساتها على اقتصادياتها، خصوصاً إذا كانت هذه البلدان ترتبط بعلاقات تاريخية واقتصادية وثيقة مع المملكة المتحدة، كدول مجلس التعاون الخليجي.

بالنسبة لنا ستكون هناك انعكاسات قصيرة وبعيدة المدى، فانخفاض أسعار النفط بنسبة كبيرة بلغت 5% في يوم واحد، يشكل خسارة للبلدان المصدرة للنفط، وذلك بعد أن تعافت الأسعار لتستقر فوق 50 دولاراً للبرميل، إلا أن هذه الخسائر ستكون مؤقتة، إذ سرعان ما سيخرج المضاربون وسيعود قانون العرض والطلب ليكون الحكم الأساسي في هذا الجانب، علماً بأن عملية الخروج ستحد من وتيرة ارتفاع الأسعار في الأشهر القادمة بسبب عدم اليقين من سير عملية الخروج على الاقتصاد العالمي.

ضمن التأثيرات قصيرة المدى أيضاً يمكن الاستفادة من الانخفاض الكبير في سعر صرف الجنيه الإسترليني للاستثمار في الاقتصاد البريطاني الذي تتوفر فيه فرص استثمارية مجدية في العديد من القطاعات، وهو ما سيتيح تحقيق مكاسب مهمة لبلدان لا زالت صناديقها ومؤسساتها الاستثمارية تملك قدرات مالية كبيرة، كما أن ذلك سيسهم في تحسين الميزان التجاري بين دول المجلس وبريطانيا بفضل انخفاض قيمة الواردات البريطانية والناجم عن ضعف الجنيه الاسترليني، حيث يصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين حالياً إلى 40 مليار جنيه إسيرليني تقريباً.

أما الجانب السلبي قصير المدى، فإنه يكمن في إمكانية انخفاض السياح البريطانيين لانخفاض عملتهم، إلا أن ذلك سرعان ما سينتهي أيضاً مع العودة التدريجية لسعر صرف الجنية الإسترليني، كما أن أصول الاستثمارات الخليجية الهائلة في بريطانيا ستنخفض بنسب كبيرة، وهي تأتي في وقت غير مناسب، إلا أن ذلك سيكون لفترة زمنية محددة، حيث ستستعيد هذه الأصول قيمها الأصلية بعد تجاوز الهزة التي أحدثها الاستفتاء.

وعلى المدى البعيد، سيتيح خروج المملكة المتحدة من تحت عباءة بروكسل حرية أكبر في علاقات بريطانيا التجارية مع مختلف بلدان العالم، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، إذ من المعروف أن إقامة منطقة للتجارة الحرة التي تتيح إلغاء الرسوم الجمركية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون متعرقلة منذ ثلاثين عاماً رغم جولات المفاوضات المستمرة بسبب موقف كل من ألمانيا وبعض دول الاتحاد وفرضها لشروط سياسية لا علاقة لها بالاقتصاد والتجارة، وهو ما فوت فرصاً مهمة لزيادة الصادرات الخليجية للأسواق الأوروبية، حيث يمكن لدول الخليج العربي البدء في مفاوضات مع بريطانيا منفردة الآن للاتفاق حول إقامة منطقة للتجارة الحرة، مما ستكون له انعكاسات إيجابية على اقتصاد كل منهما، وعلى تنمية علاقاتهما التجارية.

وفي هذا الصدد ربما يدفع ذلك أيضاً بالاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في شروطه السياسية الخاصة بتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع دول المجلس، خصوصاً وأن الاتفاقية مع بريطانيا ستمنح منتجاتها أفضلية في الأسواق الخليجية، وذلك على حساب منتجات البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

من هذا المنطلق، فإن انعكاسات خروج بريطانيا على الاقتصادات الخليجية هي إيجابية في محصلتها النهائية، خصوصاً وأن بعض الجوانب السلبية قصيرة المدى يمكن تجاوزها، وذلك إذا تمكنت المملكة المتحدة ذاتها من الحفاظ على وحدتها، حيث ستشكل مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي دافعاً قوياً لكل من اسكتلندا وإيرلندا الشمالية للمطالبة باستفتاءات للانفصال عن بريطانيا، كما صرحت رئيسة الوزراء الاسكتلندية، مما سيحمل معه تعقيدات إضافية في علاقة الدول الجديدة مع شركائهم الاقتصاديين في العالم.