&صالح القلاب& &

قبل العملية الإرهابية الأخيرة في منطقة «الركبان»، على الحدود الأردنية - السورية، كان بعض الأردنيين لا يجدون ضرورة ولا مبررًا لأي إعادة نظر بلجوء كل هذه الأعداد المتزايدة من الأشقاء السوريين، الذين بالتأكيد لم يدفعهم «إلى كل هذا المُرْ إلا الأمرّ منه». أما بعد هذه العملية الإجرامية الدامية، وبعد أن تحولت الأمور بالنسبة للأردن من مجرد حالة إنسانية بالإمكان احتمالها والتعامل معها بالإمكانيات القليلة المتوفرة، إلى حالة أمنية ضاغطة وخطيرة، فلا بد من اتخاذ إجراءات واحتياطات جدية وفعلية عاجلة، تفاديًا لمزيد من التراكمات التي قد تجعل الأمور في هذه المنطقة الحدودية المشار إليها حالة مستعصية، وعلى غرار ما كان قائمًا في الفلوجة وما هو عليه الوضع الآن في الموصل وفي دير الزور وفي الرقة.

كان الأردن قد دقَّ ناقوس الخطر عندما بدأت موجة نزوح عاتية باتجاه حدوده الشمالية من المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، خصوصًا منطقة الرقة وبعض مناطق دير الزور، وكان لا بد من إنشاء «مُخيَّمٍ» لهؤلاء وعلى عجل داخل الأراضي السورية، ليتم التحكم في الذين سيسمح لهم بدخول الأراضي الأردنية والالتحاق بمن سبقهم من اللاجئين السوريين، الذين تجاوزت أعدادهم الفعلية مليونًا ونصف المليون، على اعتبار أن المنافذ الحدودية بين البلدين الشقيقين كانت مفتوحة للأردنيين والسوريين وأنَّ نظام التأشيرات المسبقة «فيزا» ما كان معمولاً به وليس معمولاً به حتى الآن، حتى بعد كل هذه التطورات التي استجدت في سوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية.

لقد كانت هناك مخاوف لدى الأردنيين، ولدى السلطات المعنية، من تسرب عناصر إلى الأراضي والمدن الأردنية إنْ من «داعش» أو من «النصرة» أو من «القاعدة»، وأيضًا من حزب الله اللبناني والمخابرات الإيرانية ومن التنظيمات الطائفية والمذهبية التي استوردها الإيرانيون إلى سوريا، بموافقة نظام بشار الأسد من كلِّ حدْبٍ وصوب، وحقيقة أنه جرت محاولات كثيرة في هذا المجال كان من الممكن أن يكون النجاح حليف بعضها لولا يقظة الأجهزة الأمنية، «المخابرات العامة» على وجه التحديد، ولولا سيطرة القوات المسلحة (الجيش العربي) على مسافة نحو 20 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، إنْ بالنظر من خلال الأجهزة المتطورة والاستطلاعات الجوية أو بالنيران من خلال الأسلحة الحديثة، الصواريخ والمدافع المخصصة لهذه الغاية ولمثل هذه الحالات.

لقد استطاع الأردن إحباط محاولات كثيرة شاركت فيها مخابرات واستخبارات هذا النظام، نظام بشار الأسد، لإيصال مجموعات من «داعش» ومن حزب الله اللبناني وأيضًا من بعض التنظيمات المذهبية المستوردة، وخصوصًا من أفغانستان، إلى حدوده الشمالية، ولقد كان المقصود ولا يزال، إرباك الدولة الأردنية وإشغالها بالأوضاع الأمنية المستجدة على حدودها مع سوريا، ليصبح بإمكان كل هذه المجموعات آنفة الذكر إنشاء خلايا لها في الداخل الأردني، وإقامة شبكات بإمكانها اختراق حتى حدود المملكة العربية السعودية.

لقد كان هذا هو واقع الحال الذي بقي سائدًا خلال الأعوام الخمسة الماضية، وهنا فمن المفترض أنه لا يزال هناك من يذكر ويتذكر أن بشار الأسد نفسه، كان قد هدد مرارًا وتكرارًا خلال كل هذه الأعوام، بنقل ما يجري في سوريا من اضطرابات وفوضى إلى الدول المجاورة، ويقينًا أنه كان يقصد بكل هذه التهديدات، التي لا تزال مستمرة ومتواصلة، الأردن، وصولاً إلى المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي الأخرى، هذا بالإضافة إلى تركيا وصولاً إلى بعض الدول الأوروبية القريبة والبعيدة، وهنا فإن المثال الأوضح في هذا المجال هو العمليات الإرهابية التي ضربت تباعًا كلاً من بروكسل في بلجيكا وباريس في فرنسا.

إنَّ المقصود بهذا كله هو أن الأردن الذي بات يمتلك خبرة فعلية طويلة، قبل «الربيع العربي» وبعده بمثل هذه الحالات ومثل هذه الأمور، قد ساورته شكوك كثيرة تجاه عمليات التهجير المفاجئة من الرقة ودير الزور ومناطق مجاورة أخرى في اتجاه منطقة «الرُّكبان» على الحدود الأردنية - السورية، خصوصًا أنَّ هذه العمليات قد تمت بإشراف أجهزة نظام بشار الأسد الأمنية، ومعها حزب الله وفيلق القدس بقيادة قاسم سليماني التابع لحراس الثورة الإيرانية.

وهكذا فإن هذه الشكوك قد جعلت الأردن يصر على أنْ يكون مخيم هؤلاء اللاجئين أو «المُلَجَّؤون» بالقرب من حدوده داخل الأراضي السورية، وأن يُخضع من يتقرر السماح لهم بالدخول إلى أراضيه لإجراءات أمنية دقيقة وصارمة، تحاشيًا لتسرب بعض إرهابيي «داعش» إلى الأراضي الأردنية، وعلى غرار ما حصل مرات عدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مما كان سيؤدي إلى كوارث فعلية أسوأ من كارثة عام 2005 المعروفة، لولا يقظة المخابرات الأردنية التي غدت معروفة بالتفوق وبالمهنية الراقية وبالإمساك بالخيوط الأمنية في المنطقة كلها، وهذه حقيقة باتت تعترف بها حتى الدول الكبرى، كالولايات المتحدة الأميركية.

ولعلَّ ما ضاعف شكوك الأردن المشار إليها آنفًا أن أعداد «الوافدين» إلى مخيم «الركبان» هذا قد قفزت خلال فترة قصيرة من بضعة آلاف إلى مائة وثلاثين ألفًا، وأنَّ تقصي المخابرات الأردنية بين هؤلاء «اللاجئين» قد كشف النقاب عن أنشطة أمنية في هذا المخيم المثير لكثير من الشبهات، إنْ لـ«داعش» أو لباقي التنظيمات الإرهابية، وأيضًا إنْ بالنسبة للاستخبارات السورية و«اطلاعات» الإيرانية، وبالطبع حزب الله وفيلق القدس وحراس الثورة الإيرانية.

ولذلك فقد تولدت لدى الأردن قناعة راسخة، وخصوصًا بعد هذه العملية الأخيرة التي أدت إلى استشهاد 6 من العسكريين ومن منتسبي الأجهزة الأمنية والدفاع المدني، حيث ثبت أن السيارة المتفجرة قد جرى إعدادها في مخيم «الركبان» هذا نفسه بأنَّ هناك خطة لنقل قواعد «داعش» من الفلوجة والموصل في العراق ومن دير الزور والرقة في سوريا إلى هذا المكان، الذي يشكل نقطة تتوسط مثلث الحدود الأردنية - السورية - العراقية بامتداد صحراوي في اتجاه الحدود السعودية القريبة المتاخمة.

إنَّ هذا هو الهدف وبكل وضوح، ولقد ثبت للأردن أن هناك مؤامرة غير بعيدة عن تخطيط وتنفيذ مشترك بين إيران ونظام بشار الأسد، لنقل دولة «داعش» من حدودها الجغرافية الحالية في العراق وسوريا إلى هذا الموقع، الذي يشكل نقطة متوسطة على الحدود الأردنية - السورية - العراقية، ولذلك فقد بادر الجيش العربي (القوات المسلحة الأردنية) إلى اعتبار هذه الحدود حدودًا عسكرية مقفلة لن يسمح بالاقتراب منها، سواء من الآليات المدنية أو غير المدنية ولا من الأفراد العاديين ولا من اللاجئين وغير اللاجئين.

وهكذا وفي النهاية فإن الأردن، الذي بات يتعامل مع هذا المخيم على أنه قاعدة إرهابية، يضع الآن في حساباته الكثيرة أن «المتآمرين» قد يلجأون إلى افتعال سلسلة من التفجيرات المرعبة والمدمرة، لإرغام لاجئي «الركبان» على هروب جماعي عبر الحدود الأردنية، وحقيقة ورغم كل الاحتياطات اللازمة التي تم اتخاذها في هذا المجال بسرعة ودون إبطاء، فإنَّ هذا إن حدث فإنه سيؤدي إلى إرباكات كثيرة قد تؤدي إلى استخدام القوة العسكرية الضاربة، وربما إلى حرب حدودية مع نظام بشار الأسد إن اقتضت الضرورة ذلك!!

&

&

&