ياسين أوشن

 

أسابيع قليلة تفصلنا عن الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر للسنة الجارية (2016)، انتخابات ستفرز نتائج قد تثلج صدر أحزاب وقد تدمي قلب وعين أحزاب أخرى لما ستحمله في ثناياها من مفاجآت.

 وحتى لا نستبق الأحداث ونحرق المراحل ونتكهن للمستقبل، وحتى لا نتحدث عن مرحلة سابقة لأوانها، حري بنا العودة بعقارب الساعة إلى الوراء قليلا للوقوف عند أهم المحطات النضالية وأهم الأشكال الاحتجاجية التي خاضها الشعب المغربي بكل أطيافه منذ تولي عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، منصب رئيس الحكومة، بسبب قرارات لاشعبية أذكت جذوة الاحتجاج واستدعت النزول إلى الشارع للمطالبة بمطالب اجتماعية في محلها، والتراجع عن قرارات انفرادية ليست في صالح المغاربة. 

مع وصول إخوان حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكومة التي أفرزتها انتخابات مبكرة جاءت نتيجة الزوبعة التي أحدثها الربيع الديموقراطي بمختلف دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والاستبداد، ومع بداية نهج طريق الارتجالية في إصدار القرارات اللاشعبية التي تضر الشعب المغربي أكثر مما تنفعه؛ خرجت الناس إلى الشوارع المغربية تصدح بكل ما أوتيت من قوة مطالبة بإعادة النظر في بعض القرارات غير العادلة التي تمس الشعب المغربي. 

من ضمن هذه القرارات التي ارتأت الحكومة اتخاذها، والتي بصمت المشهد السياسي بمغرب ما بعد دستور 2011، نذكر الارتفاع الصاروخي الذي عرفته فواتير الماء والكهرباء الذي أثقل كاهل أرباب الأسر المغربية، وبسببه (الارتفاع) احتج المغاربة في مختلف المدن المغربية وخرجوا في مسيرات للتنديد بهذه الأثمنة الخيالية التي تحويها فواتيرهم، والتي تلهب قلوب المغاربة قبل جيوبهم، فكان الشمال حينها الأكثر تظاهرا، خصوصا مدينة طنجة ذائعة الصيت التي تظاهر سكانها في مسيرة مليونية مطالبين برحيل شركة "أمانديس" الفرنسية المفوض إليها تدبير قطاع الماء والكهرباء.

 

"انتفاضة الشموع" هاته التي وصفها الرجل الثاني في الدولة بالفتنة، كادت أن تخرج عن السيطرة لولا المكالمة الهاتفية التي تلقاها رئيس الحكومة من طرف الملك محمد السادس مع السادسة صباحا، فحواها أنه من الضروري أن يطير رئيس الحكومة، على وجه السرعة، إلى مدن الشمال من أجل حل المشكل الذي تزداد حرارته وتشتد يوما بعد يوم.

 

إلى جانب الارتفاع المهول لفواتير الماء والكهرباء، طفا على السطح قبل سنة مشكل أصحاب الوزرة البيضاء من الطلبة الأطباء الذي رفضوا الانصياع لمشروع قانون الخدمة الصحية الإجبارية الذي تحاول الحكومة فرضه عليهم، أو بالأحرى الوزارة الوصية المكلفة بالقطاع، أي وزارة الصحة التي يديرها الوزير الحسين الوردي.

 

وبسبب هذا القانون، خرج الطلبة الأطباء إلى الشارع مؤازرين بأسرهم وهيئات وجمعيات ومجتمع مدني للقول بصوت واحد ووحيد لا للخدمة الصحية الإجبارية، ومن أجل توضيح للرأي العام معنى تلك الخدمة التي تضلل بها الحكومة الشعب المغربي بالقول إن الطلبة الأطباء يرفضون، بعد تخرجهم، الاشتغال في المناطق النائية البعيدة عن الرباط والدار البيضاء.

 

هذا التضليل هو ما زاد الطين بلة ودفع بالطلبة الأطباء إلى تنظيم وقفات ومسيرات رفعوا خلالها شعارات للمطالبة بالتراجع عن هذا القرار الذي اعتبروه تعسفيا وغير عادل ولا يخدم المنظومة الصحية في شيء.

 

ليس الطلبة الأطباء وحدهم من يرتدون هذه الوزر البيضاء، بل نجد أيضا الأساتذة المتدربين الذين تجاوزت قضيتهم القطر المغربي ليصل صداها إلى الرأي العام الأجنبي، لتصبح قضية أصحاب الوزر البيضاء من أساتذة الغد مادة دسمة لكل الإعلام الوطني والأجنبي، حيث طالبوا مطالب عادلة وواضحة وضوح الشمس في منتصف نهار يوم صاف.

 

فكان من بين ما طالبوا به إلغاء مرسومين وزاريين نعتهما الأساتذة المتدربون بالمشؤومين، إذ طالبوا من وزارة التربية الوطنية ومن الحكومة كذلك التراجع عن هذين المرسومين، المرسوم الأول رقم 588-15-2 المنظم لمباراة سلك ولوج الوظيفة العمومية لقطاع وزارة التربية الوطنية، القاضي بفصل التكوين عن التوظيف، وكذا المرسوم رقم 589-15- 2 الذي بموجبه تم تقليص منحة الأساتذة المتدربين من 2450 درهما إلى 1200 درهم.

 

جراء امتناع الحكومة عن الاستجابة لمطالب أساتذة الغد، نزل هؤلاء مرفوقين بذويهم وأصدقائهم وعوائلهم ومختلف أطياف الشعب المغربي للتأكيد على ضرورة التراجع الفوري عن تطبيق المرسومين الوزاريين، هذا الاحتجاج داخل مراكز التربية والتكوين وفي شوارع الرباط والدار البيضاء وغيرها من المدن المغربية أسفر عن تدخلات بوليسية عنيفة من لدن رجال الأمن، الشيء الذي أفضى إلى كسور وندوب وجروح وإغماءات في صفوف أساتذة وأستاذات الغد، خصوصا مجزرة إنزكان يوم الخميس الأسود التي تسببت أحداثها الدموية في "قربلة" داخل قبة البرلمان المغربي تنديدا بالقمع الذي تعرض له الأساتذة المتدربون على يد رجال الحموشي.

 

كل هذه القضايا التي بسببها نزل المغاربة إلى الشارع رافعين شعارات ويافطات ولافتات للاحتجاج والتنديد والشجب والاستنكار، ما هي إلا مجرد غيض من فيض وقطرة في يمّ من القضايا الشائكة التي لم يستحسنها المواطنون المغاربة بل استهجنوها، ونضيف على سبيل المثال لا الحصر، إلى جانب ما ورد أعلاه، عدم تنفيذ الحكومة بنود محضر 20 يوليوز القاضي بتشغيل المعطلين بشكل مباشر في أسلاك الوظيفة العمومية، وهو ما زاد من حدة معاناة المعطلين المعتصمين قبالة البرلمان بالعاصمة الإدارية، زد على ذلك فيضانات الجنوب التي اهتزت لها القلوب والنفوس معا، إذ لم تكلف الحكومة نفسها عناء التنقل إلى عين المكان للوقوف عند الأضرار المادية البشرية وأسباب تلك الفاجعة التي راح ضحيتها الشجر والبشر وتعويض المتضررين تعويضا يحفظ ماء الوجه، بل وثقت فيديوهات أساليب بدائية تحط من قيمة وكرامة الإنسان المغربي كانت هي المستعملة لنقل جثامين ضحايا الفاجعة، علاوة على مماطلة الحكومة في تنزيل القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية... وغيرها من القضايا التي عرفها المغرب طيلة هذه السنوات الخمس لما بعد دستور 2011 التي لا يسعنا المجال لذكرها جميعها في هذه الورقة.