&محمد علي فرحات

يشعر قادة «حماس» بالانفراج بعد المصالحة التركية- الإسرائيلية. صحيح أن الحصار لم يُرفع، لكن المصالحة سمحت بأن يبني الأتراك محطة لتحلية المياه وأخرى لتوليد الكهرباء وأن ينقلوا المساعدات إلى ميناء أشدود فيما يراقب الجيش الإسرائيلي ما يدخل إلى غزة وما يخرج منها عبر الميناء. كل هذا لا يغني عن معبر رفح المصري الضروري لمغادرة الغزيين وعودتهم. ولكن فيما يشكر قادة «حماس» أردوغان، لا يستحق عبد الفتاح السيسي سوى صمتهم على الأقل وعدم مشاركتهم في تهجمات «الإخوان» عليه. المصالحة تطيل عمر سيطرة «حماس» على غزة، وتعزز انقسام الفلسطينيين عملياً في دولتين، الأولى في رام الله منفتحة على العالم والثانية لـ «حماس» في رعاية «الإخوان» الذين يتقدمهم «الأخ الأكبر» أردوغان.

وتتهيّأ تركيا لمصالحة الجوار كله، دول البحرين المتوسط والأسود. إنه كلام متعجّل يقوله الخارج من ظلمة الكهف إلى شمس الطبيعة الواسعة. هو ليس عاطفياً بالطبع ولا حضارياً يأخذ في الاعتبار موقع تركيا الجغرافي وتاريخها الإمبراطوري. إنه كلام الاقتصاد بالتحديد، فحزب «العدالة والتنمية» الإخواني وصل الى الحكم بعد نجاحه في إدارة بلدية إسطنبول، واستمر مسجلاً نمواً اقتصادياً فريداً في تركيا حماها من انهيارات أوروبا والغرب. إنه الاقتصاد حينما يتزين بالإسلام السياسي بحثاً عن تجارة ناجحة في عالم عربي وإسلامي تريد أنقرة أن تكون مركزه بلا منازع.

ما تحقّق هو المصالحة مع إسرائيل، ومشروع مصالحة مع الجارة روسيا بدأ برسالة اعتذار من رجب طيب أردوغان عن إسقاط «السوخوي» تلتها محادثة هاتفية مع فلاديمير بوتين لتبدأ رحلة العودة الطويلة الى علاقة طالما حملت الفوائد للطرفين، اقتصادياً على الأقل. مثل هذه العلاقة قائم الآن بين أنقرة وطهران على رغم حربهما بالواسطة في سورية، ولكن، إلى متى يستمر لقاء الأخوين– العدوّين؟

لن تستطيع تركيا فصل الاقتصاد عن السياسة، في مرحلة تحوّل حراك الأيديولوجيات الصارمة إلى مجرد انتحار يعطي الجميع درساً لعقلنة السياسة وربطها بالمصالح.

حزب «العدالة والتنمية» يتعلم بسرعة يجب أن يحسده عليها الإسلاميون العرب المنصرفون الى أحلام اليقظة. ويبدو أردوغان وحزبه في الطريق إلى إدراك أن الأيديولوجيا وسيلة إلى الاستقرار الاقتصادي ورفاهية الإنسان، حتى إذا دخل السياسيون في ضباب هذه الأيديولوجيا أو تلك يضيعون أنفسهم ويأخذون أوطانهم إلى المتاهة. انظر إلى ما فعل «الإخوان» في مصر، وإلى أفعال أشباههم في أفغانستان وباكستان والعراق وسورية، حيث تتداخل العقيدة بالقتل ويصعب التمييز بينهما. قال أردوغان إن الهجوم الإرهابي على مطار أتاتورك في إسطنبول «ينبغي أن يمثل نقطة تحوّل في المعركة العالمية على الإرهاب الذي لا يعطي أي اعتبار للأديان أو القيم».

لقد فشل الإسلام السياسي في تمييز نفسه عن الإرهاب، ويعود إلى الإرهابيين الفضل في إيصال السياسيين الأيديولوجيين إلى هذا التمييز، بدءاً بأردوغان وحزبه، وعلى رجاء انضمام الآخرين إلى دائرة التعقُّل وتطهير المسلمين من صبغة الإرهاب التي التصقت بهم.

أردوغان يتغير، مع شيء من الهلع يدفعه إلى مصالحة الجميع من دون مراعاة شروطهم للقبول، فالذين يتوجّه إليهم متناقضون في ما بينهم، فضلاً عن تناقضهم معه. وهذه الطريقة الإجمالية في التصالح هي من مزايا الإمبراطوريات الغاربة، ومنها السلطنة العثمانية، كون الآخرين الصغار يحتاجون المصالحة أكثر مما يحتاجها الإمبراطور.

المطلوب مصالحات مع كل دولة على حدة، وبذلك تكون تركيا واحدة من دول المنطقة، صحيح أنها رئيسية وكبيرة لكنها غير مؤهلة للتسيّد. وكان باراك أوباما، ومعه الإدارة الأميركية، قرر تسليم المنطقة العربية إلى قوى مستقرة فيها لا تحارب العالم الغربي، نتيجة اقتناعه بعدم أهلية العرب للتغيير بعدما فشل كل مجهود في هذا السبيل. وتركيا من القوى المنخرطة في الفوضى والتي تستطيع السيطرة عليها في الوقت ذاته. وإسرائيل أيضاً من القوى التي حدّدها أوباما، لذلك تشير المصادر إلى أن المصالحة تتضمّن إنشاء غرفة تنسيق مشتركة تهتم بأمن المنطقة المؤدي الى الاستقرار السياسي كما تفهمه الدولتان المتصالحتان، وليست سورية ومعها مصر خارج هذا الاهتمام.

يتغير أردوغان في مسيرة بطل الفوضى الذي يراد له أن يصبح بطل الاستقرار.