&&السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر

إن قراءة سريعة لسير أحداث مملكة البحرين قبل وبعد (فبراير 2011م) تبيِّن بلا أدنى شك الأيادي التي تعمل من أجل تعميق الطائفية الدينية والسياسية وتشجّع الخروج على الدستور والقانون لتنفيذ مشروع السيطرة الإيرانية وتصدير مبادئ الثورة الخمينية التي تبنتها المعارضة الطائفية البحرينية رسمياً عندما أعلنت في (7 مارس 2011م) عن تأسيس (التحالف من أجل الجمهورية) بهدف إسقاط النظام الملكي الدستوري وتأسيس (الجمهورية) كنسخة طبق الأصل من نظام ولاية الفقيه في إيران.

يلاحظ المراقب أن توقيع إيران على الاتفاق النووي فتحَ لها أبواب المنطقة العربية على مصراعيها، وكانت زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض في أبريل الماضي بمثابة زيارة الوداع لحقبة زمنية للعلاقات (الخليجية الأمريكية) ستنتهي تحت أقدام المرتكزات الأساسية لتوجيه مسارات السياسة الأمريكية التي أقرها الكونجرس للعلاقات الخارجية، وعلى وجه الخصوص العلاقات مع دول مجلس التعاون.

فقد عمل بعض صانعي السياسات الأمريكية وفق مبدأ اخترعوه لخدمة مصالحها، يتضمن التأكيد على أن العرب السُنَّة وراء العنف والدمار والإرهاب في كافة أنحاء العالم، لذلك على الأمة العربية أن تستسلم وتسير في فلَك النفوذ والسيطرة الإيرانية.

ومن جانب آخر، سيلاحظ المتابع مستوى التحدي والغرور في التعامل الإيراني مع دول الخليج، وبالأخص مع السعودية في عدد من القضايا آخرها موقفها أو شروطها التى أرادت إملاءها حول حجاجهم لهذا العام. ومملكة البحرين، والتعمّد المتجدد في التدخل في شؤونها الداخلية لإبقاء المنطقة في حالة توتر أمني وسياسي مستمر، كما حدث بعد قرار وزارة الداخلية تجريد عيسى أحمد قاسم من الجنسية البحرينية، إضافة إلى تجنيد وسائل الإعلام لضرب البحرين، وتدريب الإرهابيين بمعسكرات أُعدّت لهذا الغرض على الأراضي الإيرانية، وتهريب مواد وأدوات تصنيع القنابل والمتفجرات، والتحريض الفكري والعمل على إشاعة وتأجيج الطائفية، ولولا مبادرات جلالة الملك حمد حفظه الله المستمرة لرأب الصدع وتهدئة الأوضاع وتعديل المسارات المعوجّة، لما استمرت البحرين في تحقيق التقدم والتطور والنماء الاقتصادي الملحوظ.

إلا أن كل الإنجازات الكبيرة التي حققتها البحرين، وتنفيذها لجميع التوصيات التي انتهى إليها تقرير (اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق) بشهادة رئيسها البروفيسور محمود شريف بسيوني الذي مورست عليه ضغوط أمريكية هائلة ليتراجع عن شهادته تلك، لم تكن تسير حسب المخطط والرؤية الأمريكية القائمة على إبقاء (قضية البحرين) معلَّقة وحاضرة على المستوى الدولي، لتصبح مدخل الحراك السياسي والحقوقي في منطقة الخليج بعد فشل خطة (الفوضى الخلاَّقة).

إن الحكم القضائي بغلق مقار جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وقرار وزارة الداخلية تجريد عيسى قاسم من الجنسية البحرينية، والأحكام القضائية الصادرة في حق عدد من الإرهابيين، تكشف العديد من الحقائق والرسائل يمكن تلخيص أهمها في الآتي:

1. رسالة للجمعيات السياسية، تحمل الرؤية الأمنية الجديدة للتعامل مع أزمة سياسية طائفية انتهج مثيروها نهجاً طائفياً واضحاً، أساسه التحريض وعدم الاستجابة لأي من مبادرات التهدئة ودعوات العودة إلى الممارسة الديمقراطية للوصول إلى حلول وطنية خالصة لهذه الأزمة وتوابعها.

2. أمن الوطن لا يمكن التهاون به، وما التغاضي في الفترة الماضية عن التجاوزات الخطيرة التي قامت بها الجمعيات وقادتها، إلا لمنح الحل السياسي المزيد من الفرص لإعادة التضامن والوحدة الوطنية.

3.رسالة شديدة الوضوح للعالم بالرؤية الحكيمة لجلالة الملك وإيمانه العميق بأهمية طريق الإصلاح والتعددية والمشاركة الشعبية التي لا يمكن الحياد عنها، فهي مبادئ أساسية نصَّ عليها مشروعه الإصلاحي.

4. على الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على (المعارضة) لتنزع عنها رداء الطائفية الدينية السياسية وتنبذ العنف والإرهاب بشكل علني وميداني واضح، وتبتعد عن إيران الساعية لتدمير الوطن العربي، وأن تعطي نفسها فرصة جديدة للخروج من أزمتها بإعادة النظر في مواقفها السياسية تجاه المبادرات التي قُدمت لحل الأزمة السياسية، وأن تشارك بقلب مفتوح وتفكير ناضج في الانتخابات البرلمانية (2018م)، وتساهم من تحت قبة البرلمان في تفعيل مبادئ ميثاق العمل الوطني والتوصل إلى حلول بحرينية وطنية خالصة لاستكمال الدولة الوطنية الحديثة.

إن أُسس ومرتكزات الوحدة الوطنية كالتعايش والتسامح والاحترام وقبول الآخر متأصلة في الشعب البحريني منذ القدم، إلا أن المصالح السياسية ورياح الطائفية وتوابعها تلاعبت بها بكل أسف، ما يستدعي معه ضرورة تعزيز الانتماء الوطني ومعالجة الشرخ الطائفي عبر تفعيل المشاريع المعنية بذلك ومتابعتها ودراسة نتائج تنفيذها، ليتصدى شعب البحرين للفتنة بالوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص لحماية وطن الجميع.