&فهمي هويدي

بعدما تناقلت وكالات الأنباء خلال اليومين الأخيرين قصة ما جرى مع الإعلامية ليليان داود، حين تقرر ترحيلها خلال دقائق ولم يسمح لها بلملمة حوائجها، سمعت من قال إنها أهينت كأنها مصرية. وهي مقولة رد عليها آخر بأنها أكرمت لأنها غير مصرية، ولو أنها لقيت معاملة المصريين لتعرضت للضرب والسحل ولانقلب أثاث بيتها رأسا على عقب. وعلق ثالث قائلا إنها بدلا من أن تروى قصة طردها للصحفيين كان عليها أن تبعث ببرقية إلى الذين أهانوها فقط ولم يعذبوها، قائلة لهم إنها تشكرهم لحسن تعاونهم!&

حين تضاف تلك التعليقات المخجلة إلى عبارات محملة بذات المعنى ذاعت في وقت سابق تحدثت عن أن الباحث الإيطالي عذب كما لو كان مصريا، فإن من حقنا أن نتساءل: من يسىء حقا إلى سمعة مصر ويشوه صورتها في المحافل الدولية؟&

يظل السؤال مثارا بشأن جملة الوقائع والمعلومات التي حفلت بها تقارير المنظمات الحقوقية الدولية وتعليقات الناقدين في بعض الصحف العالمية التي جاءت سلبية في معظمها. إذ ظلت تعتمد على المعلومات التي خرجت من القاهرة سواء عن أعداد المعتقلين وضحايا السجون سيئة السمعة وأحكام الإعدام التي صدرت بحق المئات غير قوائم المختفين قسريا.. إلخ. لست أشك في أن هناك كائدون لمصر وكارهون لها، لكننا ينبغي ألا نتجاهل أن كثيرين كونوا آراءهم السلبية عن مصر استنادا إلى التقارير التي نقلت وقائع ما يجري على أرضها. وللأسف فإن الجهات المعنية في مصر حين ساءها ذلك وأغضبها، فإنها عاتبت أو عاقبت الصحفيين الأجانب الذين نقلوا الوقائع كما هي ولم يخطر لها أن تراجع الإجراءات والممارسات التي كانت محل النقد وسببت الإساءة إلى البلد.&

وليس ذلك مفاجئا تماما، ذلك أننى ذكرت في مقام سابق قصة حالة التعذيب التي ذاع أمرها بعد تصويرها في أحد أقسام الشرطة من خلال هاتف محمول، فصدرت التعليمات بمنع دخول الهواتف المحمولة إلى أقسام الشرطة،.&

ولم يخطر على بال أحد أن يعالج الأمر بمنع التعذيب. ليس بعيدا عن تلك القصة المحزنة ما لجأت إليه المؤسسة الأمنية حين قررت إغلاق مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب، أو حين حولت الذين أعدوا مشروعا لوقف التعذيب إلى النيابة والقضاء. ذلك أننا بصدد المنطق ذاته الذي بات فيه التعذيب وكأنه من «ثوابت» السياسة الأمنية وضروراتها.&

رد الفعل التقليدي أصبح يتمثل في أمرين، أولهما الإنكار التام من جانب الأجهزة الأمنية وثانيهما اتهامات المنظمات الدولية والتقارير الحقوقية بالانحياز ضد مصر. ولا أعرف تحت أي من العناوين يندرج ما جرى للسيدة ليليان داود، لكن الذي لا شك فيه أن ما تم معها يعد تكذيبا عمليا لكل ردود الأفعال المصرية التي ادعت احترام حقوق الإنسان سواء تلك التي عمدت إلى الإنكار أو اتهمت التقارير السلبية بالتحيز. لا يسرنا بطبيعة الحال أن نروج الانطباعات السلبية التي باتت تضرب المثل بالإهانات التي توجه إلى المصريين، لكن أكثر ما يزعجنا هو العقيدة الأمنية التي استقرت بحيث أصبحت تعتبر إهانة المصري واستباحته أمرا مسلما به وأصلا لا حيدة عنه. وهو ما تتداخل فيه السياسة مع الثقافة التي روج لها البعض ورفعت من مقام البعض حتى صنفتهم ضمن الأسياد واعتبر من عداهم عبيدا، وهو ما صرح به نفر منهم في تسجيل ذائع الصيت.&

إن جيلنا لا يستطيع أن ينسى زمنا كان النداء المجلجل فيه يحث كل مصري لأن يرفع رأسه عاليا، ليس تكبرا ولا خيلاء ولكن ثقة واعتزازا. كما لا يستطيع أن ينسى أن القاهرة ظلت مفتوحة الأذرع لكل عربي يبحث عن ملاذ آمن وصدر حنون.&

وإزاء الذي يحدث الآن، وما حدث مع ليليان داود حدّه الأدنى الآن، فإن المصري لا يستطيع أن يخفي شعوره بالخجل والحزن، ليس جراء ما يحدث فقط، ولكن إزاء صمت البعض إزاءه وخفوت الأصوات الداعية إلى إصلاح يصوب الأصل كي نستعيد الأمل في تحسين الصورة. وليست تلك دعوة إلى التجمل وإشاعة السرور لدى النظار والسياح، ولكنها دعوة لاستظهار المعدن الحقيقي للمصري حين يستعيد كرامته ويتاح له أن يتعلق بحلمه في مستقبل أفضل. إلى غير ذلك من المعاني التي لن نستعيدها في واقعنا ما لم نملك شجاعة مصارحة الذات والاعتراف بالخطأ والسعي الجاد لتصويبه، وليس للتستر عليه وإخفائه.&

من فضلكم ولأجلكم كفاكم إساءة إلى مصر وتشويها لها.