جهاد عودة &

الصراع الدولى فى الشرق الأوسط يرتبط من جهة بسؤال حول مدى قدرة القوى العربية على صياغة تفاعل عربى ذاتى للصراع الدولى.&

المرة الوحيدة التى كانت القوى العربية قادرة، فيها، على فرض صياغة عربية فى الصراع الدولى، جرت فى حرب 1973، وربما ساهم هذا النجاح بشكل حاسم فى اغتيال صانعيه، العاهل السعودى، الملك فيصل بن عبد العزيز، والرئيس أنور السادت.&

غير هذا، فمنذ الثورة العربية الكبرى 1916، وحتى الآن، فى زمن الحرب ضد داعش، يعيش العالم العربى أسير إحباطات عدم القدرة الدولية على المساهمة فى خلق واقع عربى جديد، وعدم القدره العربية على خلق واقع عربى دولى جديد، يتسبب بالاستقلال الذاتى العربى، وهو ما يفسره البعض بأن العالم العربى مخترق من جانب الدول الكبرى، ولكنى أعتقد أن الاختراق نتيجة وليس سبباً.&

ويأتى السبب فى عدم القابلية المفهوميه والمعرفيه على استجماع شعور قومى عام قادر على تقديم صياغة نظرية مجردة للتقدم العربى، مثل الصياغة الألمانية، أو الانجليزية أو الفرنسية، أو الأمريكية، أو حتى الإيرانية أو التركية الطورانية، دائماً كان هناك شعور قومى جارف وحسب.&

فى إطار هذه الصياغة الجديدة نقول بالتالى:&

1 ـ من الأمور التي ينبغي التنبيه لها أن نزعة القوميّة العربية، نشأت قبل نشوء النّزعة القومية لدى الأتراك، حيث نشأت هذه النزعة في ستينيات القرن التاسع عشر بين المثقفين العرب السوريين، وما يجلب الانتباه هنا، أنّ أغلب الذين تزعموا هذه الحركة القومية، هم من المسيحيين مثل بطرس البستاني وفارس الشدياق والنقاش وجورجى زيدان، أما الذين شاركوا في هذه الحركة من المسلمين فأغلبهم، ممن تأثروا بالفكر الأوروبي وبفكر الحركات القومية في أوروبا، ومن الملاحظ أن عدداً كبيراً من الشيّعة في العراق وفي سوريا بقوا متعلقين بفكرة الخلافة وبالدولة العثمانية إلى جانب أغلب العرب السنة.&

2- كان الهدف الأساسي للعثمانيين هو استرجاع أراضي شرق الأناضول التي استولت عليها روسيا خلال الحرب الروسية العثمانية (1877 - 1878)، كانت أراضي محافظة أرتفين وأرداهان وكارس وميناء بتوم، وقعت تحت الاحتلال الروسي ووجدت الطموحات العثمانية تعاطفاً وقبولاً لدى المستشارية الألمانية، وشكلت السيطرة على حقول النفط في بحر قزوين مطمعاً ألمانياً بات بالإمكان تنفيذه بعد انضمام العثمانيين إلى تحالف قوات المحور.&

3- عقب ثورة الشباب الأتراك عام 1908 وبعد بداية الحقبة الدستورية الثانية في 3 يوليو 1908 في زمن السلطان عبد الحميد الثاني؛ تم إدخال تعديلات جوهرية في الجيش العثماني، كما تم تطوير مراكز الجيش الرئيسية، دخلت القوات العثمانية عقب ذلك في الحرب العثمانية الإيطالية أو ما عرف بسم الحرب الليبية ما بين 28 سبتمبر 1911 وحتى 18 أكتوبر 1912 لاحتلال ليبيا (طرابلس وبرقة)، وانتهت الحرب بهزيمة العثمانيين وسيطرة الإيطاليين علي ليبيا والحدود المائية المقابلة.&

4- كانت اتفاقية سايكس-بيكو تهدف إلى تقسيم المشرق العربي على أساس طائفي.&

5- بعد الحرب العالمية الأولى، وطغيان نفوذ القوى الاستعمارية في العشرينيات والثلاثينيات وحتى الأربعينيات على العالم العربي، تحولت القوة السياسية العربية في شمال إفريقيا وشرق البحر المتوسط تدريجيا من بناء أنظمة دستورية ليبرالية (كما جرى في مصر وسوريا والعراق في بداية القرن العشرين) إلى قومية حاسمة، وركزت أهدافها في الأساس على التخلص من الاستعماريين والأنظمة التي تعاونت معهم.&

وكان ذلك هو السبب الرئيس في ظهور أنظمة عسكرية بسطت سيطرتها على كثير من الدول العربية منذ عام 1950 وربما قبلها حتى انتفاضات الربيع العربي عام 2011 التى قلبت الدول العربيه فى مجملها الى دول هشه.&7-وفي الفترة بين أواخر الخمسينات وأواخر السبعينات من القرن الماضي، خصوصا أثناء صعود نجم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بين أزمة السويس عام 1956 وحتى نهاية الستينيات، أعطت القومية العربية زخما شديدا لفكرةٍ مؤداها أن العالم العربي يستطيع إذا ما اتحد أن يعمل على تقليص الفوارق المجتمعية الديموجرافية بين شعوبه.&

وفي ثمانينيات ذلك القرن وتسعيناته، استطاع رجال الدول العربية الأقوياء أمثال حافظ الأسد وصدام حسين في المشرق العربي والعقيد معمر القذافي في شمال إفريقيا وضع سياسات للحد من الفوارق غالباً عن طريق استخدام العنف المفرط، غير أن التوترات والطموحات التي خلقتها تلك الفوارق لم تختف أو حتى تخفُت.&

وأخيراً، بسبب العنف المفرط ظهر تجلى الفيضان الداعشى فى العالم العربى، كما ظهر فشل بناء اى فيدرالية جديدة، وربما هذا كله نتيجة أن الثورة العربيه الكبرى لم يكن لها معنى تنويرى على الإطلاق بل كانت فى اطاراقطاعى سلطوى دولى.

&