&وليد أبي مرشد

لم يكن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مضطرا، الأسبوع الماضي، إلى استرضاء روسيا ومصالحة إسرائيل في وقت واحد لو لم تتسبب سياستاه الخارجية والداخلية معا بعزلة خانقة كادت تطيح بدور تركيا في الشرق الأوسط.


يوم تسلم السلطة في أنقرة تعهد إردوغان بأن يمارس حيال دول الجوار سياسة خارجية خالية تماما من الاستفزاز والإشكالات. ولكن سرعان ما بدأ تعامله مع التحديات الخارجية والداخلية يتخذ طابع المواجهة الصدامية فغاص في خصومات حادة مع القريب والبعيد كانت حصيلتها في عام واحد فقط أن تعرضت بلاده لأربع عشرة عملية إرهابية تقاسمت مسؤولياتها «داعش» وتنظيمات كردية متعاطفة مع حزب العمال الكردستاني. خصمان حرك عداءهما بعد تخبطه بحالة ارتباك سياسي في تحديد أولويات تركيا الأمنية بين التطرفين، الإسلامي الداعشي والانفصالي الكردي.

طغيان هاجس الانفصاليين الأكراد على الخطر «الداعشي» في تقويم الرئيس إردوغان للمخاطر المحدقة بتركيا أثار استياء واشنطن، حليف تركيا في منظمة «ناتو»، وزاد من عزلتها.
وبعد أن كان إردوغان يطرح صورة تركيا في الخارج بوصفها دولة إسلامية عصرية تكذب ادعاءات بعض «شوفينيي» الغرب بأن الديمقراطية لا تتلاءم مع الإسلام، ساهم بنفسه في تحطيم الصورة الديمقراطية لبلاده بانتقاداته العلنية المؤسسات الديمقراطية والتضييق على الحريات الصحافية، (رئيس تحرير صحيفة كبرى نزح إلى الخارج وآخر يحاكم حاليا بتهمة إفشاء أسرار الدولة)، وقبل هذا وذاك في سعيه الدؤوب لتحويل نظام الحكم إلى نظام رئاسي يقول معارضوه إنه سيكون مقدمة لتنصيبه رئيسا مدى الحياة.
من الصعب تجاهل دور الرئيس إردوغان في التسبب بحالة العزلة التي تعاني منها تركيا، وإن كان موقعها الجغرافي السياسي وسط صراعات الهوية التي تمر بها المنطقة في الوقت الحاضر، ساهم بدوره في تراجع دور تركيا الإقليمي.

ولكن تركيا، العضو الإسلامي الوحيد في حلف شمال الأطلسي، وثامن أكبر اقتصاد في أوروبا، وكثافة سكانية توازي عدد سكان أقوى دولة، اقتصاديا، في أوروبا (ألمانيا)، ما كانت تعاني من حالة عزلة تدفعها لاستجداء رضا روسيا وإسرائيل لو ساعدها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على تعزيز دورها في مجريات الحرب الأهلية السورية وتبني اقتراحها المطروح منذ خمس سنوات تقريبا، أي إقامة منطقة حظر جوي على طول حدودها المشتركة مع سوريا تكون ملجأ للمدنيين ومعارضي النظام وموطئ قدم لدول حلف شمال الأطلسي.

فشل تركيا في إقناع الولايات المتحدة بالتنسيق معها في سوريا كشف حدود العلاقة التركية مع حليفها الأطلسي بقدر ما كشف معارضة إدارة الرئيس أوباما لأي تدخل أميركي مباشر في سوريا. وإذا كانت روسيا أصبحت المستفيد الأول من هذا الوضع، فإن المسؤولية تقع، بالدرجة الأولى، على عاتق الولايات المتحدة قبل تركيا.

ربما تبرر هذه المعطيات سعي إردوغان لكسر عزلة بلاده بأي ثمن كان. ولكن السؤال يبقى: هل يكفي حصوله على رضا روسيا وإسرائيل في إعادة المصداقية إلى دور تركيا في الشرق الأوسط وهو الدور الذي فقدته مع انهيار الإمبراطورية العثمانية عام 1919؟
يالنسبة لروسيا، سوف يترجم التفاهم الجديد ترجيحا تركيا على أولوية محاربة المتطرفين الإسلاميين على حساب الانفصاليين الأكراد، الأمر الذي يعني كسر عزلة تركيا مع روسيا والولايات المتحدة في وقت واحد.

أما بالنسبة لـ«الشرق الأوسط» العربي فسوف تزيد مصالحة تركيا مع إسرائيل من عزلتها وتثير تساؤلات قد لا تكون مستبعدة عن سبب توقيت المصالحة مع إسرائيل مع المصالحة مع روسيا، وذلك على خلفية ما يشاع عن تنسيق روسي - إسرائيلي على الجبهة السورية، خصوصا في الأجواء السورية... فهل يمكن توقع فصل جديد في حرب سوريا الأهلية في أعقاب مسعى إردوغان لكسر عزلة بلاده مع روسيا وإسرائيل؟&

&