&جابر الحرمي

&&

الجريمة البشعة التي ارتكبت بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، الذي أنزل فيه القرآن، عبر تفجير بالقرب من المسجد النبوي الشريف، راح ضحيته 4 شهداء، من قبل أفراد مضللين وضالين، يحملون أفكارا منحرفة، لم يسبق أن وصلت لها الأمة أو أجيالها كما هو حاصل اليوم، من انحرافات فكرية تروّج لها مجموعات وتنظيمات منحرفة ضالة ومضلة، استمرأت قتل النفس البشرية البريئة، التي لها قدسية عظيمة في ديننا الإسلامي الحنيف، الذين يعمدون هذه التنظيمات إلى إلحاق الضرر والتشويه، بصورة الإسلام الحنيف.

في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان الفضيل، يرتكب هؤلاء هذه الجريمة الإرهابية البشعة، التي تستهدف ترويع الآمنين، وزوار ثاني الحرمين الشريفين، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه البقعة الطاهرة التي كان الصحابة يحرصون على ألا ترتفع أصواتهم فيها، فقد سمع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما أصواتا عالية في مسجد الرسول فقال لصاحب الصوت مستنكرا: أتعرف أين أنت؟.

إن الأمة تعيش اليوم فوضى، ليس فقط في الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية.. بل الأخطر من ذلك فوضى فكرية، خلقت لنا اليوم أجيالا يسهل اختراقها من قبل افراد وتنظيمات ومجموعات منحرفة وضالة تعبث في الأرض، وتدعي إسلاما خلقته لنفسها، لا يمت للإسلام ودين محمد صلى الله عليه وسلم بشيء، وقامت بترويج ذلك عبر أوساط الأجيال، واستطاعت للأسف الشديد أن تعمل "غسيل" دماغ لأعداد من هؤلاء الشباب، الذين التحقوا بهذه التنظيمات والمجموعات، ويسيرون خلفها دون وعي، ودون تفكير فيما يقول هؤلاء، وينفذون أجندة هدفها ضرب الإسلام، وبوصلتها ضرب الدول الإسلامية، لإحداث فوضى وتخلخل في المجتمعات، ليسهل عليها بالتالي أكثر التغلغل في مجتمعاتنا.

هذه الفوضى الفكرية بحاجة إلى مواجهة فكرية واعية، الفكر بالفكر، بعيدا عن استخدام القوة فقط لمحاربة هذه الأفكار التي تفد إلينا من الخارج.

نعم نحن بحاجة إلى تحصين مجتمعاتنا أمنيا، لكن ليس هذا كل شيء، وهنا تأتي المسؤولية على أطراف أخرى في المجتمع، فالمسؤولية هنا لا تقع فقط على وزارات الداخلية أو الأجهزة الأمنية، لتحصين شبابنا ضد التيارات الهدامة، والأفكار المنحرفة، وحمايتهم من التنظيمات الضالة.

المطلوب اليوم تشكيل منظومة عمل متكاملة، بحيث يكمل كل طرف الآخر، بدءا من العلماء والمشايخ، مرورا بالمنابر والأسرة والإعلام والتعليم ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرياضية والشبابية والأفراد.. وانتهاء بالأجهزة الأمنية.

هذه الأجهزة يجب أن تعمل يداً بيد، بعيدا عن العمل الانفرادي، وليس كـ "جزر" منفصلة لا تعرف إحداها ما تفعل الأخرى، وفي أحيان كثيرة تتضارب في الأدوار والمهام والاختصاصات.

وقبل هذا كله يجب أن تكون هناك رؤية واضحة لما نرغب الوصول له، والوسائل المستخدمة في ذلك، بعيدا عن العمل العشوائي، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، بل يستهلك الوقت والجهد والمال دون نتيجة، بل قد تكون نتيجته عكسية، فيما الطرف الآخر من التنظيمات والمجموعات الإرهابية والمنحرفة تعمل بإمكانات أقل لكنها تكتسب أرضا جديدة بفعل امتلاكها رؤية واضحة، بغض النظر عن انحرافها، لكنها تقدم نهجها المنحرف على أنه هو النهج الصحيح، وتروج ذلك عبر وسائل مختلفة، واستطاعت أن تغزو الشباب في عقر دارهم، عبر استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، بأساليب محببة ومشوقة للأجيال، سواء عبر ألعاب ترفيهية أو مسابقات وطروحات مثيرة..، وهو ما مكنها من التغلغل وسط الشباب.

يجب أن نعترف أننا كأجهزة رسمية في بلداننا العربية لم نستطع استيعاب الشباب بشكل كامل، والدفع به للمساهمة في التنمية المستدامة في مجتمعاتنا العربية، ولم نوفر له البيئة الحاضنة المناسبة التي يتطلع اليها، وهو ما دفع الطرف الآخر المنحرف لاقتناص ذلك، واستغلال جهل شرائح من الشباب للزج بهم في محرقة الغلو والتطرف، لارتكاب جرائم مروعة بحق النفس البشرية ومقدساتنا وأوطاننا، وتشويه صورة إسلامنا.

ما تعرضت له الشقيقة المملكة العربية السعودية من أعمال إرهابية خلال الفترة الماضية، ووصل الأمر إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليست فقط اعمالا مستنكرة ومدانة، بل إن الأمة اليوم وشعوبها والشرفاء جميعا في خندق واحد مع الشقيقة السعودية، فالتفجيرات لم تستهدف المملكة، بل استهدفت الأمة، ويجب على الأمة بكياناتها ومؤسساتها وأفرادها، النهوض من هذا السبات العميق الذي تعيش فيه، والتصدي لهذه الاعمال الاجرامية بكل حزم، وأن تؤسس لعمل ينقذ أجيال أمتنا من السقوط في براثن هذه التنظيمات والمجموعات الإرهابية الخارجة عن الدين والملة، التي هي اليوم مثل خوارج الأمس، او القرامطة الذين ارتكبوا جرائم بشعة بحق حجاج بيت الله الحرام سنة 317 هجرية عندما قتلوا أكثر من 30 ألف حاج في يوم واحد.

المملكة العربية السعودية الشقيقة مستهدفة اليوم من قبل اطراف مختلفة، دول ومنظمات وتنظيمات ومجموعات إرهابية اتفقت لضرب المملكة، ونحن على ثقة أن الشقيقة السعودية وقيادتها قادرة على التصدي لذلك، لكن الاستهداف الحقيقي هو للإسلام من خلال السعودية، وهو ما يفرض علينا جميعا دولا ومؤسسات وأفرادا، الوقوف مع المملكة بكل حزم في مواجهة هذا العدوان وهذا الارهاب العابر للقارات.

اللهم من أراد بلاد الحرمين الشريفين بسوء فاشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه..

حفظ الله المملكة العربية السعودية الشقيقة وأهلها من كل سوء ومكروه وسائر بلاد المسلمين..

اللهم أدم على بلادنا الأمن والأمان ومزيدا من الاستقرار.. واجعل عيدنا هذا عيد خير وفتح ونصر لبلادنا وأمتنا في كل مكان..