&صلاح بن فهد الشلهوب

الإسلام دين الرحمة والسلام والأمن والاستقرار، جاء ليحقق لهذا الإنسان الاستقرار النفسي والمعيشي، ولذلك كان أحد أهم آثار الإيمان عبر تاريخ الإنسانية هو إيمانها بالله وعبادته والتزام أوامره، وقد كان المسلمون الصادقون الملتزمون بشعائر الله في تاريخ الإنسانية مثالا في العدل والإحسان وحسن التعامل وهذا ما شجع كثيرا من الناس على الدخول في الإسلام والتزام تعاليمه، ولا نحتاج كثيرا إلى قصص من التاريخ لتأكيد ذلك، لأن مصادر الشريعة الإسلامية تزخر بكثير من الدلائل التي تؤكد هذا المعنى فقال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء:107)، وهذه الرحمة ليست فقط للمسلمين أو حتى للإنسان فقط بل للعالمين مما خلق الله في هذا الكون، فالذي يرسخ الرأفة بالحيوان عندما يذكر أن امرأة دخلت النار بسبب حبسها لهرة لم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «دخلت امرأة النار في هرة: ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» لا يمكن إلا أن يكون إرساله لهذه الإنسانية إلا رحمة للعالمين. فسيرته العطرة -صلى الله عليه وسلم- تزخر بالكثير من الأوامر والمواقف والقصص التي تدل على حرصه على الإنسان، فضلا عن المسلم، شهد هذا الشهر العظيم انتهاكات لجميع أشكال الحرمات، فقد انتهكت حرمة الإنسان ودمه وماله وانتهكت حرمة المكان عند مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانتهكت حرمة الشهر الذي فرض الله فيه الصيام وأنزل فيه كتابه القرآن، وخصه بعبادة من أعظم العبادات بفرض الصيام فيه على كل مسلم مقتدر، إضافة إلى الاعتداء وانتهاك حرمة الرحم وقتل الوالدين والاعتداء وقتل رجال الأمن الذين يعملون ليل نهار من أجل راحة قاصدي البيت الحرام من كل فج عميق.

الحوادث التي وقعت بحي الحمراء في الرياض وبجانب القنصلية الأمريكية في جدة وحادث التفجير بالقرب من مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في المدينة والحادث الذي وقع في القطيف في هذا الشهر الكريم وفي العشر الأواخر منه ما هو إلا انتهاك لأشكال الحرمات التي يحرمها الإسلام ويمنع منها، بل يصفها بكبائر الذنوب، وهذا الأمر يقودنا إلى مجموعة من النتائج:

أولا: إن هذه الانتهاكات تؤكد أن أتباع هذا الفكر المنحرف لا ينتسبون في سلوكهم هذا إلى ما يمت للإسلام بصلة، وهم إما حاقد مغرض على الإسلام، أو مغرر به أو مبتدع في دين الله، وكل هؤلاء غير معذورين في سلوكهم، إذ إن تبرير أفعالهم والتغاضي عنها ما هو إلا فرصة لانتهاك المزيد من الحرمات من قتل الأبرياء والإفساد في الأرض وزعزعة الأمن، واستمرار مظاهر الانحراف الفكري والاعتقادي الذي يؤدي بالأمة إلى مزيد من الأزمات.

ثانيا: إنه من المعلوم لدى كل عاقل أن المملكة هي أكثر دول العالم تطبيقا لشرع الله وحفظا لشعائره، وكل من يزور المملكة يجد أنها البلد الذي يشعر فيه بالراحة والأمان لأداء شعائر الإسلام دون تضييق أو محاسبة، ولقد عاش الكثير من المسلمين بها ووجدوا فيها من أسباب العيش الكريم ما دفعهم إلى الانقطاع طويلا عن أوطانهم، واستهداف المملكة دليل على أن دوافع الفكر الضال غير ما هو معلن من إقامة دين الله، بل مطامع سياسية أو حقد دفين على بلد الإسلام وقبلة المسلمين.

ثالثا: إن المجتمع في المملكة والعالم الإسلامي باعتبار أن المملكة تحتضن الحرمين الشريفين أمام وباء ومرض يجب استئصاله وعدم الاسترسال كثيرا في الأسباب والدوافع، إذ إن الانحراف الفكري والإرهاب قد يقعان في أي مجتمع مهما كان ذلك المجتمع فيه مثالية عالية، ولذلك من المهم العمل على استئصال هذا المرض والقضاء على هذا الوباء وإسهام المجتمع في ذلك، فالسكوت على من ظهرت لديه بوادر الانحراف قد يؤدي إلى أن يصل أثر وبائه القريب والبعيد للمجتمع، مع أهمية العناية بجميع ما يتعلق بأسباب الانحرافات الفكرية والسلوكية في المجتمع والعمل على القضاء عليها.

رابعا: إن المعاملة التي انتهجتها المؤسسة الأمنية في المملكة في التعامل مع الأشخاص الذين ظهرت عليهم بوادر الانحراف والتطرف تشجع على التعاون معها حيث إنها تتعامل مع هذه الحالات بمعاملة مناسبة تسعى إلى أن تعيد تأهيل هؤلاء وإقناعهم للاندماج في المجتمع، كما أنها التزمت بمحاكمة عادلة لكل من بدر منه عمل فيه انتهاك لأمن المجتمع.

خامسا: في ظل التحولات والمتغيرات التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية وتحقيق الرفاهية للمجتمع والاستدامة في الموارد والتنمية نجد من يريد أن يعيدنا إلى نقطة الصفر بل أسوأ من ذلك، كما هو حال بعض الدول التي أصبحت ثرواتها عبئا عليها، وأصبح الأمن بالنسبة لها حلما تتمنى أن يتحقق، وصور القتل والدمار مشهد يومي تنام وتفيق عليه.

سادسا: إن رجال الأمن يبذلون راحتهم ودماءهم من أجل أن تنام عين المواطن والمقيم وضيوف الحرمين براحة وأمان فواجب التعاون معهم والدعاء لهم، نسأل الله أن يعظم لهم الأجر والثواب وأن يضاعفه لهم.

فالخلاصة أن حوادث تفجير المدينة وجدة والقطيف وحالة القتل في حي الحمراء في الرياض ما هي إلا أشكال متعددة لانتهاك الحرمات التي لا يقرها الإسلام، وتأكيد على انحراف هذا الفكر وإنه لا يريد خيرا بأمة محمد، وهنا تأتي أهمية تضافر جهود كل مواطن من أجل أن يسهم في أمن بلده إذ السكوت عن هذه الممارسات وتبريرها ما هو إلا فرصة إضافية لمزيد من الانتهاكات الأكبر والأسوأ.