&عبدالله جمعة الحاج

مرّ عيد الفطر على العالم العربي وهو يعج بالمشاكل الكبرى التي تؤرق الإنسان العربي وتقض مضاجعه وتجعله الوحيد في هذا العالم الواسع الذي لا يعرف طعماً سعيداً حقيقياً للأعياد منذ ديسمبر 2010 – يناير 2011 بسبب ما يلم بالعديد من الدول العربية من فوضى ومعارك مسلحة وأعمال إرهابية وتدهور في الحياة السياسية والاقتصادية، ضمن أزمات امتدت إلى مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس والصومال والسودان. الأمور قد تتفاقم في الآتي من الأيام لكي تطال الفوضى وعدم الاستقرار دولاً عربية أخرى تبدو هادئة حتى الآن، لكن قد تكون النار تحت الرماد الساكن، فما هي أسباب ذلك؟ وما هي بواعثه ومحركاته ومؤججاته؟

وبما أن الإجابة عن هذا التساؤل غير ممكنة في مثل مقالنا هذا، فالمفكرون وعلماء السياسة والاجتماع والاقتصاد يطرحون السؤال نفسه منذ أن خرج الاستعمار من معظم الدول العربية، وازدادت جهودهم منذ اندلاع موجات العنف والفوضى الأخيرة، لكن دون أن يتوصلوا إلى الإجابات الشافية أو المقنعة. وفي المجمل يمكن القول بأنه منذ سنوات تصل إلى الستين عاماً أو نيف أجمع عدد من العلماء على أن حقبة الأيديولوجيا في العالم العربي قد انقرضت، وأصبحت معظم الدول العربية تحكم من قبل نخب سياسية ذات خلفيات عسكرية وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية واستعانت بتكنوقراط متخصصين موالين لها لإعانتها في أمور الحكم. ويعني ذلك أن المعتقدات الأيديولوجية القديمة والقناعات الأخرى أفسحت الطريق أمام وسائل مستحدثة جديدة قادرة على حل مشاكل الشعوب العربية المادية والاقتصادية، والتأثير على التقدم المادي والروحي للعرب.

وهنا حضور افتراض لم يكن صحيحاً بوجود تقدم هائل في الوسائل العلمية والتكنولوجية الحديثة القادرة على حل المشاكل التي تعاني منها الدول العربية، بحيث أن التقدم في استخدام العلوم والتكنولوجيا، الحديثة سيجعل الشعوب العربية تنظر بثقة أكبر نحو المستقبل، وبأنه باستخدام الوسائل العصرية الحديثة سينتج العديد من مشاريع الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، وإعادة توزيع الثروات وطفرة في الاستهلاك سيتم ترجمتها بعمق في تحول أيديولوجي يغير العديد من أنماط التفكير القديمة. وبعد الوصول إلى ذلك المستوى المعيشي من الرفاهية، خاصة بالنسبة للفئات الاجتماعية البسيطة، فإنها ستستقر أمورها، وتهدأ وتتخلى عن نشاطاتها السياسية المعارضة. لكن ذلك لم يحدث على إطلاقه، فلا أحد يستطيع أن ينفي وجود مراتع للفقر ومظاهر للتمييز الحاد بين الفئات الاجتماعية، التي تملك وتلك التي لا تملك، حتى في أكثر البلاد العربية تقدماً.

بالنسبة للدول العربية المعنية لا يتحدث المرء عن الفقر وحده، ولكن عن التخلف مع وجود انطباع مؤكد بأن ذلك ليس سوى مرحلة انتقالية مؤقتة ضمن عملية علاج جذرية عبر حضور رؤوس الأموال ووسائل التنمية العصرية. وفي مرحلة ما قبل ديسمبر 2010 – يناير 2011 لم تكن البلاد العربية تبدو وهي على شفا حدوث الفوضى العارمة، رغم أن المرء كان يتوقع حدوث شيء ما في عدد منها، لكن أقصى ما كان يمكن توقعه هو أنماط محدودة من التحايل الاجتماعي الذي يعيد تأكيد التوقعات المتنامية لدى الإنسان العربي. ما كان يتم اعتقاده أن الدول العربية تشكل صورة تأكيد أقل مستوى، لأن مقولات التنمية ونظريات التحديث والحراك الاجتماعي، لم تنل حظها من الاهتمام، ولأن التعايش السلمي المشترك يصرح به على أنه هدف لسياسات الدولة، خاصة تلك التي تتكون من مركبات اجتماعية ليست متجانسة، وبالتالي فإن الشعارات التي رفعت كدعاية سياسية درجت على التصادم مع الأوضاع القائمة والأهداف الوطنية المعلنة، خاصة عندما كان الحديث يدور حول تطبيقات أيديولوجية غريبة على المجتمعات العربية. خلاصة القول هي إنه والعيد بين ظهرانينا يمكن للمرء أن يكون متفائلاً لكي يبعد الإنسان العربي عن هموم الحزن والأسى التي هو فيها، فعيدكم مبارك أيها العرب، وأعاده الله عليكم وأنتم في ظروف أفضل.