فهد العيلي

جاءت أحداث الإرهاب في جدة والقطيف والمدينة المنورة لتؤكد لنا مجددا أن التنظيمات الإرهابية ما زالت متيقظة ونشطة وتتربص بنا ولن تتركنا نهنأ بالحياة الآمنة الرغيدة في هذا البلد المعطاء، وهو أمر بات واضحا للجميع منذ أن بدأ تنظيم القاعدة عملياته في المملكة عام 2002. وقد كتبت مقالين هنا خلال هذا العام قلت فيهما إن الجهات الأمنية ما زالت تتحمل عبء المواجهة ويكفي أنها ضحت بأكثر من ثلاثة آلاف رجل أمن خلال السنوات الماضية لننعم نحن بالأمن. لكني ما زلت أرى أن المجتمع بكل فئاته ومؤسساته مقصر في مواجهة ظواهر الإرهاب وتنظيماته المعقدة، وهذا التقصير في نظري يعود إلى غياب الرؤية والتوجيه اللذين يفترض معهما أن نتجاوز ردود الأفعال إلى المبادرات الواقعية والعملية للمواجهة. وعلى سبيل المثال حادثة المدينة الأخيرة هزت المجتمع، وانطلق الجميع يعبرون عن سخطهم في الصحف، ومواقع التواصل، والقنوات الفضائية وهو شعور وطني صادق ليس فيه شك ولا زيف، لكنه لا يكفي في ظل وجود هذه التنظيمات النشطة التي تقتنص الفرص لقتلنا، وتفجير مساجدنا، ومؤسساتنا الوطنية. لدينا أكثر من 30 ألف مدرسة، وأكثر من 32 جامعة، وأكثر من سبعة آلاف مسجد، ومؤسسات وطنية واقتصادية وثقافية وأكثر من أربعة ملايين سعودي يشاركون في مواقع التواصل الاجتماعي، ولدينا باحثون ومفكرون وإعلاميون، وبإمكان الجميع أن يشارك في صياغة "مشروع وطني لمكافحة الإرهاب" نتجاوز معه حالات السخط والاستنكار والخطب البليغة والقصائد العصماء إلى مبادرات ملموسة في كل قرية ومدينة. ويمكن لهذا المشروع أن يضم كثيرا من المبادرات لحماية أبنائنا، من محاضرات أسبوعية للمشايخ الموثوق بهم ولأعضاء هيئة كبار العلماء، وبرامج تدريبية فاعلة، ومواد مرئية ومسموعة عن التنظيمات المتطرفة، وتنظيم مسابقات أو معارض فنية بشكل غير تقليدي تفضح هذا الفكر المتخلف.

كما يمكن استضافة عدد من ضباط الأمن العام أصحاب التجربة في التعامل مع هذا الفكر لتقديم المعلومات بأسلوب شيق ومثير يتناسب مع اهتمامات وميول الشباب، ويمكن للمدارس والجامعات التنسيق مع أجهزة المباحث العامة في المناطق في جدولة زيارات منتظمة لطلبة المدارس تكشف الجهود العظيمة لهذا الجهاز ودوره في حماية الوطن، وكذلك تنظيم زيارات منتظمة لمركز "الأمير محمد بن نايف للمناصحة" للاستماع مباشرة إلى اعترافات بعض المتطرفين الذين أعلنوا توبتهم بصدق واكتشفوا أنهم كانوا ضحايا خداع وأوهام، واستخدمهم الآخرون ثم تركوهم يواجهون مصيرهم.

هذه الأفكار التي أوردتها هنا يمكن أن يضيف الآخرون إليها متى ما أصبحت جزءا من النشاط اليومي لمساجدنا وجامعاتنا ومدارسنا ومؤسساتنا. ولا أظن أن الأمر يحتاج سوى إلى الإرادة والعزيمة للتنفيذ، فالإمكانات متوافرة والكفاءات موجودة والمخلصون والمتحمسون لهذا الوطن كثر ولله الحمد. فمتى نبدأ؟