&محمد ناهض القويز

انتشرت مؤخراً فكرة تقول بأن انتحاريي داعش ليس لهم أي ميول دينية وأن تحولهم من مجرد شاب لا يختلف عن سواه إلى انتحاري كان مفاجئاً بدون مظاهر تدين. وأصبحت رأياً مألوفاً في الكتابات والتغريدات حول داعش وانتحارييها. بل لقد أصبح مجالاً للتقاطب وتقاذف التهم بين الإسلاميين ومن يسمون بالليبراليين. وتبع ذلك تسطيح غير مقبول في تناول الموضوع، كالاستشهاد بحالات من الغرب يدعون أنهم للتو أسلموا أو أنهم غير مسلمين.

أول ملاحظة على هذا الرأي أنه مجرد انطباع لم يبن على دراسة ولا بحث.

ولهذا لم آخذ به. بل إنني تجاوزت الأخذ به إلى اعتباره مؤشرا خطيرا على قصور في فهم ديناميكية الإرهاب مما سيؤثر على عملية المراجعة والتصحيح والقضاء على الجذور الكامنة في مجتمعنا.

ثم تتبعت الحالات التي تيسر لي جمع معلومات حولها وتبين لي أنه ليس هناك حالة انتحارية واحدة لم يمر فيها الانتحاري بتغير جذري في سلوكه واهتماماته وآرائه وفي القرب أو البعد عن الأصحاب حسب تقبلهم لتوجهه الجديد الأكثر تديناً وتشدداً. حتى أولئك الذين كانوا يسردون مغامراتهم في البعثة ولياليهم الحمراء ومعاقرتهم الخمرة وأصناف النساء في السابق مروا بتغير طرأ على حياتهم جعلهم يتبنون الإرهاب واصطبغوا بصبغة دينية متشددة وآراء تكفيرية قبل أن ينضموا لداعش أو النصرة أو يقدموا أنفسهم كأداة تفجير وقتل.

جميعهم بلا استثناء مروا بهذا البرزخ التكفيري الذي تباين من عدة أشهرٍ إلى سنة وأكثر قبل أن يقدموا على جرائمهم. وجميع الحالات كان التغير فيها ملاحظاً من قبل القريبين منهم أو من أقربائهم ولكن للأسف لم يعط الأهمية اللازمة في محاولة سبر أغواره أو حتى التبليغ عنهم للجهات المختصة.

الواقع يؤكد لنا أن الظاهرة متجذرة في المجتمع اختلط فيها الحق بالباطل.

ولأن عامة الناس تعودوا أن يسمعوا ويقبلوا في أمور الدين ممن ينصبوا أنفسهم أوصياء من دون نقد ولا تمحيص فقد استغل ذلك عرابو الإرهاب المحليون والخارجيون فأغرقوا الشباب بآيات وأحاديث سيقت في غير موضعها، وبآراء فقهاء زمان لا ينتمي إلى زماننا أو فتاوى مضللة لقادة التيارات الإسلامية المتشددة أو عبارات من كتب التكفيريين "الدعاة على أبواب جهنم". ثم غَلفوا كل ذلك باسم الدين فأصبح مقبولاً لدى الشاب الذي ظن واهماً أنه فُتح له طريق إلى الجنة بناء على إرث ثقافي سبق ولادة الإرهاب الحديث.