أحمد شعلان&

في اختبار عن تكنولوجيا جديدة للاندماج النووي في «معهد ماكس بلانك لفيزياء الذرّة» في ألمانيا، استطاع بحّاثة المعهد إنتاج أول «غيمة» من ذرّات الهيدروجين في شباط (فبراير) 2016، لتنطلق التوقّعات بأن ذلك المفاعل المسمّى «فِندِلشتاين 7- إكس شتلاراتور» Wendelstein 7-X Stellarator، واختصاراً «دبليو 7- إكس» W7-X»، سيتغلّب على مفاعل منافس يعمل بطريقة الـ «توكاماك»، في تحقيق وعد إعطاء كهرباء وفيرة عبر الاندماج النووي.

وحينها، وقفت المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل أمام لوحة التحكّم في «ماكس بلانك»، وتوجّهت بكلمة قصيرة إلى الشعب الألماني، ثم ضغطت زر التشغيل لأول تجربة فعليّة للاندماج النووي بالهيدروجين. وتحمل ميركل شهادة دكتوراه في الفيزياء، وهي مختصّة في المواد الهيدروكربونيّة، التي يندرج في خانتها مواد تشمل النفط والغاز والفحم وغيرها.
كانت مدة ذلك الاختبار «الميركلي» لمفاعل «شتلاراتور» 4 ثوانٍ، تحوّلت أثناءها كمية صغيرة من الهيدروجين إلى «غيمة» من المُكوّنات الذريّة (تسمّى «بلاسما»)، مع رفع حرارتها إلى 80 مليون درجة مئويّة. واعتبر ذلك نجاحاً أوليّاً لـ «شتلاراتور». وشرح أحد بحّاثة المعهد التجربة مشيراً إلى نجاحها في استخدام موجات كهرومغناطيسيّة فائقة القصر قوّتها 1 ميغاواط/ساعة، للحفاظ على «غيمة» الهيدروجين الذريّة لـ 4 ثوانٍ. في تجربة سابقة في 2015، كانت المدّة 0.04 ثانية، وهذا يعني تحسين المردود مئة ضعف خلال شهرين»! وتذكيراً، نجحت أيضاً تجربة لتشغيل «شتلاراتور» باستخدام غاز الـ «هيليوم» Hilium، في كانون أول (ديسمبر) 2015.

وعلميّاً، يعتبر إنتاج «غيمة» الهيدروجين مفتاحاً للاندماج النووي الذي يعطي طاقة نظيفة، وهو يحاكي توليد الطاقة داخل الشمس. وبالألمانيّة، تشير كلمة «شتلاراتور» إلى النجمة، مع التذكير بأن الشمس هي نجمة أيضاً. وإذا استطاع العلماء التحكم بالاندماج النووي، سيتغيّر مشهد الطاقة كليّاً، مع استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة المتأتيّة عن ذلك الاندماج.
وحاضراً، تعمل المفاعلات النووية باسلوب الانشطار النووي، بمعنى ضرب ذرة اليورانيوم، بمُكوّنات ذريّة، فتنشطر مخرجة طاقة هائلة تفوق ملايين المرّات ما ينتجه الوقود الأحفوري. في المقابل، هناك مشاكل تأتي من النفايات المشعّة التي ترميها المفاعلات، إضافة إلى أنها عرضة لحوادث يكون بعضها كارثيّاً، على غرار انفجار مفاعل مدينة «فوكوشيما» (اليابان 2011) التي مازالت تعاني منذ ذلك الوقت تلوّثاً نوويّاً.

المستقبل رهن طاقة النجوم
يعمل الاندماج النووي بطريقة مختلفة، لا ينتج منها نفايات مشعّة أو مواد أخرى غير مرغوب فيها. وكونيّاً، تحصل الشمس على طاقتها الرئيسيّة من عمليّات الاندماج النووي منذ 4.5 بليون سنة. ويعني ذلك أن تقليد ذلك الاندماج في مفاعلات على الأرض، ستحصل البشرية على ما يفوق حاجتها من الطاقة. ولا زال ذلك الوعد صعب التحقّق، على رغم جهود علميّة مستمرة منذ ما يزيد على ستة عقود.

ويمدّ الاندماج النووي النجوم بالطاقة. ويكمن التحدي في كيفية «نقل» ما يحدث في نجم إلى منشأة على الكرة الأرضيّة. ومثلاً، تعتمد عملية الاندماج النووي على صهر أنوية خفيفة مع بعضها بعضاً، مع إنتاج نواة كبيرة نسبياً. والمادتان الأكثر استخداماً في هذه العملية هي الـ «دوتيريوم» (هيدروجين وزنه الذرّي 2، بينما هو 1 في الهيدروجين العادي) والـ «تريسيوم» (هيدروجين وزنه الذرّي 3). ومع الاندماج النووي، تنتج المادتان غاز الـ «هيليوم» الخامل. وخلال اندماجهما، «يتبدّد» قسم صغير من كتلة المواد المستخدمة، متحوّلاً إلى طاقة ضخمة (وفق معادلة آلبرت إينشتاين الشهيرة القائلة E= k mc2 بتحوّل المادة إلى طاقة تتوافق مع كتلة المادة والسرعة) تفوق كثيراً الطاقة التي استخدمت في إتمام عملية الاندماج.
استطراداً، هناك مشكلة في الاندماج تتمثّل في أنه يحتاج إلى حرارة عالية جداً تشبه تلك الموجودة في الشمس، وهي تساوي ملايين الدرجات المئوية. وبالمقارنة، لا تحتاج عملية الانشطار النووي سوى بضع مئات من الدرجات المئويّة.
ربما يبدو الأمر سهلاً نظريّاً، لكن تحقيق عملية اندماج نووي على الأرض كانت حلماً لنخبة من العلماء كرّسوا لها حياتهم. إذ تستمد الشمس الطاقة الأوليّة اللازمة لإشعال الاندماج النووي من جاذبيّتها الضخمة المتناسبة مع كتلتها العظيمة. وتذكيراً تمثل كتلة الشمس 99 في المئة من مجموع كتل الكواكب وأقمارها والكويكبات والمذنبات والأجسام الأخرى التي تشكل المنظومة الشمسيّة بأسرها.

ولمحاكاة ذلك على كوكب الأرض، يحتاج العلماء لرفع حرارة ذرات الهيدروجين إلى قرابة 150 مليون درجة مئويّة لإجبارها على الانصهار. وهناك رأي يأتي من البروفسور طوني دونّيه، مدير برنامج الاندماج النووي الأوروبي («يورو فيوجن» Euro Fussion)، وهو منظمة تتولّى تنسيق البحوث الأوروبيّة حول الاندماج النووي، وتضم جامعات وهيئات بحثية من 26 دولة أوروبية. وفي تعليق على الإنجاز الألماني، أوضح دونّيه أن العلماء يحاولون دراسة سُبًل الحفاظ على استقرار «غيمة» الهيدروجين بعد تسخينها بشدّة، لفترة تكفي لإنجاز الاندماج، وكذلك طُرُق إبقائها بعيداً من جدران المفاعل، واستخراج الطاقة الحراريّة الهائلة التي ينتجها الاندماج النووي.

بينما يتطلع العالم إلى طاقة متجددة كحل لتلبية متطلباته من الطاقة، فإن الاندماج النووي كان دائماً حلماً، إنما بعيد المنال. ولا يزال الطريق طويلاً وشاقاً أمام علماء وباحثي الاندماج النووي لجعل الأمر حقيقياً، لكن المزيد من التمويل والتطوير يساهم في وضوح خريطة الطريق باتجاه عصر الاندماج النووي.