أحمد الزيلعي


مقرراتنا الدينية بريئة من زرع الإرهاب في نفوس الناشئة، فمن ينخرط في صفوف المنظمات الإرهابية بدعوى الجهاد هم من الطلبة الفاشلين المتعثرين في دراستهم
يذهب كثيرون من داخل المملكة وخارجها إلى إلقاء التهم جزافا على مناهج العلوم الدينية في المملكة، وأنها هي من يزرع الإرهاب في نفوس الناشئة، ويحرض عليه.

ولست بحاجة إلى نفي هذه التهمة الباطلة التي تدحضها حقائق كثيرة ليس أقلها أن الأجيال السابقة للأجيال التي تولد من بين ظهرانيها إرهابيون درسوا أضعافا مضاعفة من المقررات الدينية في التوحيد والفقه والحديث والتفسير قبل اختصارها في الوقت الحاضر، ولم يتولد عنها إرهابيون، وليس في مناهجنا الدينية في حدود ما أذكر حينما كنت تلميذا صغيرا في صفوف مدارس التعليم العام، ثم معلما لتلك المناهج في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة قبل انتقالي معيدا في جامعة الملك سعود، ما يشير من بعيد أو قريب إلى تحفيز التلامذة إلى القيام بعمليات انتحارية لا ضد الأعداء، ولا ضد أي من الأباعد والأقارب مهما اختلفنا معهم.

وكلما تعلمناه وعلمناه لتلامذتنا في مناهجنا الدينية لا يعدو عن كونه ضرورة من ضرورات معرفة أي مسلم بأمور دينه، وتأدية شعائره الدينية على الوجه المطلوب، وكان ذلك حتى عهد ليس بالبعيد مما يميّز الدارس السعودي عن غيره من أقرانه العرب في معارفه الدينية على الرغم من أنها كانت لا تتعدى مبادئ أولية في العقائد في مقررات التوحيد، وبعض الأحكام الدينية في مقررات الفقه، ثم حفظ بعض الأحاديث المتعلقة بالعبادات من مقررات الحديث مع التعريف برواتها، وشرحها، وبيان معاني بعض مفرداتها الصعبة، واستنباط ما يستفاد منها. ثم مقرر التفسير الذي كان يدرسه التلامذة في صفوف المرحلة ما فوق الابتدائية، وهو تفسير ميسّر ومبسّط من جزأي عم وتبارك، وأخيرا مقرر القرآن الكريم الذي يتدرج التلامذة في دراسته من الصف الأول الابتدائي إلى أن يختموه في الصف السادس من المرحلة نفسها، ثم مدت هذه المرحلة لاحقا إلى ما بعد الابتدائية.

وكانت المقررات الدينية على الرغم مما يزعم بطولها وثقلها وكثرة حصصها فإنها كانت قصيرة وسهلة ومبسطة ومشروحة شرحا وافيا، وقلّ من يرسب فيها من متوسطي الذكاء، أو حتى ما دون متوسطي الذكاء بقليل. وأذكر أننا كنا نجد صعوبة في توزيعها على أشهر الفصول الدراسية بحسب المنهجية والخطط المتبعة في المدارس لقصرها وقلة عدد صفحاتها، خصوصا مقرري التوحيد والفقه، فنضطر أحيانا إلى ملء وقت الحصص بتمثيل الوضوء والصلاة ونحو ذلك من باب التطبيق العملي. وما علمت أحدا ممن زاملت من المعلمين في تعليم القنفذة، ثم في تعليم الرياض، وكانوا من جنسيات سعودية وغير سعودية، قد استدرك أو لاحظ على فقرة في أي من المقررات الدينية ما تدعو تلميحا أو تصريحا إلى الانتحار، أو التضحية بالنفس على الصورة التي نراها في عالمنا اليوم.

صحيح أن المقررات الدينية كانت لا تخلو من بعض الإشارات إلى الجهاد، ولكنها كانت إشارات في سياقها الصحيح من حيث وجوبه على كل مسلم بالغ قادر على الاستجابة لداعيه حينما تنعقد له راية، ويدعو إليه إمام شرعي وليس دعيًّا من الأدعياء في مواجهة عدو يتهدد الوطن وأهله.

أما خلاف ذلك من جهاد يتم بصورة فردية من أناس ينخدعون بمشروعيته، ويتأوّلون شخوص من يجاهدونهم حتى لو كانوا على نفس الملّة، فهو الإرهاب بعينه، فما عهدته في مناهجنا أنها بريئة من الإرهاب براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وما سمعت شخصيا بمثله من معلمينا الذين درسونا في مختلف مراحل التعليم العام، ولا نحن علمناه لتلامذتنا الذين درسناهم في المراحل نفسها، وإنما هو من مبتدعات العصر، ومن الفتن التي اُبتلينا بها في وقتنا الحاضر، مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك براءة المقررات الدينية من زرع الإرهاب في نفوس الناشئة. والدليل على ذلك أن من يقوم بالتفجير، وينخرط في صفوف المنظمات الإرهابية بدعوى الجهاد هم من الطلبة الفاشلين المتعثرين في دراستهم، والمتقاعسين عن القيام بواجباتهم المدرسية، وليس من الطلبة المميزين الجادين الذين استوعبوا المناهج الدينية وفهموها على حقيقتها، وتميزوا على أقرانهم، ونجحوا بتفوق في مختلف مراحل التعليم العام، وشقوا طريقهم نحو استكمال دراساتهم العليا التي أهلتهم إلى أن يكونوا أعضاء عاملين وفاعلين في المجتمع وما أكثرهم!! وليسوا أشبه ما يكونون بخفافيش الظلام، وخنافس الليل التي تتسابق على إلقاء أنفسها إلى التهلكة كلما لاح لها ضوء نار مشتعلة.
&