& غسان حجار

&قرأت حديثا صحافيا لنائب عكار معين المرعبي يقول فيه ان "600 الى 700 شاب من الشمال التحقوا بتنظيم داعش". ويضيف: "عندما يرى الشاب ان كل الابواب مقفلة في وجهه، يأتي الفكر المتطرف ليقول له انه بكبسة زر واحدة تصبح في الجنة، فلماذا عذاب عشرات السنين؟ واذا نظرنا الى اسباب الالتحاق بداعش نجدها بعدم وجود فرص عمل وفرص للتعليم وانعدام فسحة الامل امام هؤلاء الشبان".


لا يهمنا منطق التبرير الذي تحدث به النائب المرعبي، اذ لا يلتحق كل الفقراء بـ "داعش"، والفقر يلازم مجتمعات كثيرة في معظم دول العالم، لكنه ايضا يلامس حقيقة مُرة تتجنب دولتنا بكل مؤسساتها الخوض فيها، والعمل على معالجتها، وقد كانت "ثورة المحرومين" الشيعية قبيل الحرب اللبنانية خير انعكاس لواقع التهميش الذي عاشته تلك الطائفة زمنا طويلا في ظل ثنائي ماروني - سني لم يقم اعتبارات للاخرين حتى بلغت به الحال أن يجهد للمحافظة على بعض تلك المكاسب التاريخية، بل نراه يتحول الى واقع الحرمان، وما الصراع السني- الشيعي الا ترجمة لهذا الشعور المتنامي، ناهيك عن الاحباط المسيحي المستمر منذ ما بعد انتهاء الحرب.


يقول وزير العدل الاميركي سابقاً رمزي كلارك ان "داعش وليدة ظروف عربية تراجيدية، اساسها الظلم وعدم تحقيق المواطنة، وافتقاد العدالة في توزيع الثروة". وقد شكل الضباط في الجيش العراقي المنحل بقرار خاطئ، الخلية التنظيمية العسكرية الاساسية في تنظيم "الدولة الاسلامية" انتقاماً من الظلم الذي حل بهم، وتعرّضهم للاضطهاد والملاحقة، وشعورهم بان الميليشيات الموالية لإيران هي التي تتحكم برقابهم.


كما ان الانظمة العربية الديكتاتورية والظالمة ساهمت في دفع شبان كثيرين الى احضان التنظيمات التي اعتبروها ثورية، وتهدف الى محاربة الظلم، واحقاق الحق ولو من باب الشريعة. لقد اعطت تلك الحركات والتنظيمات المهمشين والهامشيين في مجتمعاتهم فرصة التحكم بغيرهم وتسلّم السلطة ووفرت لهم المال، تماماً كما حصل في زمن الحرب اللبنانية وميليشياتها التي حملت كثيرين من صبية الشوارع وجعلت بيدهم القرار، وعاد زمن السلم فأدخلهم الى جنة السلطة الشرعية.
ولم تتمكن حركة "الربيع العربي" من توفير بديل على الرغم من الامال الكبيرة التي علقت عليها في اكثر من دولة، وتمدد هذه الظاهرة كعدوى بدأت تصيب كل المجتمعات العربية التي لا تنعم بهناء العيش. لكن النتائج جاءت مخيبة للآمال. يقول محمد خواجه في كتابه "القاعدة: الجيل الثالث" ان "سيناريوات الربيع العربي اظهرت تداعي الانظمة القديمة وضعف القوى البديلة، ما اشاع حالاً من الفوضى، انسلت من مسامها القوى المتشددة المحلية، وجذبت تلك الوافدة من الخارج".
هذا الواقع المر يجعلنا نتساءل: "ماذا لو عاد هؤلاء الشبان الـ 700 الى لبنان؟". وكيف نتجنب تطوّع المزيد في صفوف تنظيمات ارهابية مماثلة؟