&توفيق السيف


ليس ضروريًا أن نتفق جميعًا على أولويات التصدي لموجة الإرهاب التي ضربت بلادنا وغيرها. لكن من المهم أن نفهم جميعًا الطبيعة المركبة لهذه الظاهرة. واقع الأمر أنه لا توجد ظاهرة اجتماعية بسيطة، بمعنى أنها ترجع إلى سبب واحد وتتطور وفق نسق واحد من بدايتها إلى نهايتها.

يهمني التشديد على الطبيعة المركبة للظواهر الاجتماعية، طمعا في لفت النظر إلى الأضرار المحتملة للتفسيرات التي تكرر التأكيد على عامل وحيد. فهذه في ظني رؤية انطباعية متعجلة، رغم أنها باتت نسقا عاما في صحافتنا، سيما في الأيام القليلة التي تتلو هجمات الإرهابيين، كما حصل بعد التفجيرات الإجرامية قبيل عيد الفطر، في بعض المدن السعودية.. المنورة والقطيف وجدة.

إني أكتب هذه السطور وفي ذهني ما يمكن وصفه بقوائم المتهمين التي أصبحت معتادة في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي. من تابع الصحافة السعودية المحلية بعد تلك التفجيرات، فلا بد أنه لاحظ الإلحاح على دور «المحرضين» عند البعض واتهام المناهج المدرسية عند فريق ثان، وإلحاح فريق ثالث على تأثير الدول الأجنبية أو المؤامرة الدولية، أو دعوى أن انتشار الفساد في المجتمع وشيوع الميول التغريبية هو العامل المحرك للإرهابيين، وأن الحل عند هؤلاء يكمن في كبح ما يعتبرونه هيمنة ليبرالية على الصحافة ووسائل الإعلام الخ.. وقد تكرر مثل هذا في كل المناسبات المماثلة خلال العام المنصرم.
وقد لفت نظري هذا الأسبوع مقال تحليلي للدكتور علي الحكمي وهو أستاذ جامعي في علم النفس. فقد اختار قائمة احتمالات محددة، تفسر جاذبية المنظمات الإرهابية لجيل الشباب على وجه الخصوص. وتبنى مقاربة سيكولوجية مختصرة، لكنها متينة التأسيس. وقرأت في الأسابيع الماضية معالجات مماثلة في جودتها، اهتم بعضها بمراجعة العوامل الدينية والمذهبية، وراجع بعضها العوامل الاقتصادية والاجتماعية في المستوى الضيق (العائلة والمحيط القريب)، واهتمت ثالثة بتأثير تأزم الهوية الفردية والجمعية.

مثل هذه المقاربات مهمة جدا في توضيح الوجوه المختلفة لظاهرة العنف، أي كونها تشكلت في البداية بتأثير عوامل متعددة، ثم تطورت وتحولت بالتدريج، ودخلت في تشكيلها النهائي عوامل مستجدة، لم تكن مؤثرة في تشكيلها الأولي.

نحن نرى في العادة عملية القتل أو التفجير، أي النتاج الأخير للظاهرة. وهي لا تدلنا بالضرورة على محركاتها وموقعها الدقيق في السياق الزمني - الاجتماعي لتشكل وتطور الظاهرة نفسها. هذا يشبه إلى حدّ بعيد أن ترى الثمرة الناضجة على الشجرة، وتنسى المسار الطويل الذي قطعته الشجرة حتى أصبحت ثمارها ناضجة.

إن التشابه الظاهري بين تمظهرات الإرهاب لا يعني بالضرورة أنها جميعا ترجع إلى ذات العوامل، أو أنها تعبير عن حلقة زمنية أو ظرفية واحدة في السياق الزمني العام للظاهرة ككل. بعبارة أخرى، فإن الإرهابي (أ) الذي شارك زميله الإرهابي (ب) في العملية نفسها، لا يشكلان نسخة مكررة. لعل كلا منهما بدأ في نقطة مختلفة، أو انضم إلى دائرة الإرهاب بتأثير عوامل متباينة. إن وحدة الفعل النهائي لا تعني أبدا وحدة المقدمات أو وحدة المسار.

تعدد العوامل التي تسهم في تشكيل ظاهرة الإرهاب، يستوجب بالضرورة تعدد المقاربات والحقول العلمية التي تدرس على أرضيتها، أي تعدد التفسيرات وطرق العلاج. هذا يدعونا إلى تشجيع الباحثين من تخصصات مختلفة للمساهمة في تحليل هذه الظاهرة وتفسير تطوراتها، وعدم الركون للتفسيرات الانطباعية المتعجلة أو الأحادية.

&

&