&زياد الدريس

تلقيت العديد من الرسائل الهاتفية من زملاء وأصدقاء يسألونني، بحكم موقعي الوظيفي في اليونسكو، عن صحة الشهادة المنتشرة عبر وسائط الإعلام الجديد بأن منظمة اليونسكو قد «قررت» في الرابع من شهر تموز (يوليو) الجاري، وبعد عدة شهور من الدراسات والأبحاث والنقاشات مع الخبراء والمختصين، منح شهادة «الدين الأكثر سلميّة» للدين الإسلامي. ثم ذُيّلت الوثيقة بشعار منظمة اليونسكو وبتوقيع مدير عام المنظمة!

انتشر الخبر أثناء عطلة نهاية الأسبوع، وكان لزاماً عليّ أن أتريّث في انتظار الرد الرسمي من فم اليونسكو نفسها حتى يوم الإثنين. لكنني لم أتردد في قول رأيي المبدئي الخاص بأن الشهادة «تبدو» عليها بصمات التزوير.

لم أنشغل بالبحث في تزوير الختم أو تزوير التوقيع، بل في تزوير الفكرة ذاتها!

تساؤلات بديهيّة ستطرأ على الذهن عند التأمل في مضامين تلك الشهادة. ما هي المعايير التي يمكن استخدامها لقياس السلميّة في الأديان وبصيغة مقارنة، وهل يتم هذا بفحص النصوص أم بفحص ممارسات الأتباع؟ هذا عدا السؤال الحوكمي عن حق المنظمة الدولية في تفضيل دين على آخر أو شعب على آخر أو لغة على أخرى؟!

الإجابة العفوية عن هذه الأسئلة البديهية هي التي ستقودك فوراً للتشكيك في صحة الشهادة وصدقيّتها.

وفي حين عتب عليّ البعض في التريّث بالقول إن الشهادة مزورة، إذ يرونه أمراً مؤكداً لا يحتاج حتى إلى انتظار بيان المنظمة الرسمي، فإن آخرين بالمقابل لاموني على الاستعجال والحماس في التشكيك في صحة الوثيقة، وعدّوه هزيمة داخلية أمام خبر ينبغي أن يدعو للفرح والفخر.

المؤكد أن «الهزيمة الداخلية» موجودة دوماً في الحدث، لكن هل هي، هذه المرة، لدى الذين احتفلوا بالوثيقة أم لدى الذين شكّكوا فيها؟!

هنا ينبغي التفريق بين وجاهة شهادة معرفية يعلنها فيلسوف أو خبير في شأن شخصية دينية أو سلوك اجتماعي ذي مرجعية دينية، وبين سذاجة إعلان ما يشبه «شهادة حسن سيرة وسلوك» للإسلام!

مكانة الإسلام الرفيعة ليست بحاجة إلى شهادة من منظمة اليونسكو أو من غيرها، لكن لأن المسلمين يتوقون إلى مثل هذه الشهادة، في ظل أوضاعهم الراهنة، فقد فرحوا بها... وهي ليست لهم، ومن هي له ليس محتاجاً إليها!

الإسلام، والأديان عموماً، أكبر من أن تنتظر شهادة حسن سلوك من منظمة، مهما علا شأنها، فالأديان هي التي تعطي الشهادات لأفعال البشر، وليس العكس.

وأخيراً، فإن الإسلام أجلّ وأعظم من أن يُنصر بالأكاذيب.