عبد الله مولودي

& مع أن وزير الخارجية الموريتاني أكد قبل أيام في توضيحات أمام مجلس الشيوخ عدم وجود أي توتر في علاقات موريتانيا والمغرب، فقد أكدت تحليلات لمراقبين متابعين واستقراءات لديبلوماسين عاملين بالعاصمة الموريتانية نواكشوط «أن التقارب الجديد الملاحظ منذ انعقاد المؤتمر الاستثنائي الأخير لجبهة بوليساريو قد أدى لزيادة التوتر الصامت في العلاقات الموريتانية المغربية ولعودة التجاذب حول حياد موريتانيا في نزاع الصحراء الغربية».

ويرى المراقبون الذين استمعت «القدس العربي» أمس لتحليلاتهم والذين فضلوا عدم تسميتهم «أن مؤشرات التقارب الموريتاني الصحراوي الجديد المقلق للمغاربة بدون شك، يتجسد في أمور عدة بينها مشاركة رسمية موريتانية في جنازة الرئيس الصحراوي وحضور وفد رفيع المستوى من حزب الاتحاد الحاكم في موريتانيا ووفد من الأغلبية الحاكمة، لمؤتمر جبهة بوليساريو الأخير، وإرسال المؤتمر رسالة شكر مخصوصة حثت على توثيق العلاقات إلى الرئيس الموريتاني، كما اعتبروا «أن من بين هذه المؤشرات، إشاعة أوساط صحراوية وموريتانية لاقتراب افتتاح أول سفارة للجمهورية الصحراوية في نواكشوط».

وأظهرت رسالة المؤتمر الطارئ لجبهة بوليساريو للرئيس الموريتاني ارتياح الصحراويين لما سمته الرسالة «التجسيد الوفي والصادق لما يتقاسمه الشعبان التوأمان الصحراوي والموريتاني من روابط الأخوة وأواصر الجوار والمحبة»، مؤكدة على «الوعي العميق بأن المخاطر الوجودية المحدقة ببلدينا وشعبينا إنما أتت وتأتي من المصدر نفسه».
ويرى هؤلاء المحللون أن «قضية فتح سفارة صحراوية في نواكشوط هو أكثر مظاهر التقارب الموريتاني الصحراوي، إزعاجاً للمغاربة مع أنه تجسيد عملي لحياد موريتانيا في النزاع الذي يقتضي معاملة الطرفين بطريقة واحدة».
وقد عكست تقارير ومقالات نشرتها مؤخراً مواقع إخبارية مغربية، المدى الكبير الذي وصل إليه قلق المغاربة من التقارب الموريتاني الصحراوي.

فقد حذر موقع «مفكرة الإسلام» المغربي «من ردود أفعال مغربية غاضبة، في حال سماح نواكشوط لانفصاليي البوليساريو بافتتاح سفارة لهم على أراضيها».

وأشارت المفكرة لما سمته «خشية لدى بعض المحللين من ردة فعل مغربية سريعة في حال افتتاح السفارة، أقلها انتشار الجيش المغربي في جميع المواقع الصحراوية التي ظلت وإلى اليوم تحت الإشراف الموريتاني بما فيها مدينة الكويرة؛ إضافة إلي تعجيل العمل في ميناء الداخلة لتعويض البوابة البرية نحو إفريقيا بالبوابة البحرية (الداخلة – داكار) وتطويق موريتانيا بدول إفريقية معادية».

أما موقع «تليكسبريس» المغربي فقد أرجع «التقارب الموريتاني الصحراوي لضغوط الحكومة الجزائرية على النظام الموريتاني من أجل فتح سفارة لجبهة البوليساريو في نواكشوط، مستغلة تقاربها مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والتوتر الصامت بين المغرب وموريتانيا في الفترة الأخيرة»، حسب تعبير الموقع.

ونقل «تليكبرس» مصادر دبلوماسية جزائرية تأكيدها «أن مسؤولين جزائريين فاتحوا وزير الخارجية الموريتاني في الأمر خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر، فأبلغهم بوجود نوايا لدى الرئيس الموريتاني لفتح المجال أمام جبهة البوليساريو لفتح تمثيلية دبلوماسية لها في البلاد».
أما العتب المغربي الواضح على موريتانيا فقد عبر عنه عبد الله البقالي النائب فى البرلمان المغربي عن حزب الاستقلال ونقيب الصحافيين المغاربة ومدير النشر بجريدة العلم في تحليل نشره قبل أيام تحت عنوان «موريتانيا أساءت إدارة الخلاف مع المغاربة».

وأكد «أن المسؤولين الموريتانيين دخلوا من المدخل الخطأ لإدارة خلافاتهم مع نظرائهم المغاربة، وهم بذلك يحولون ساحة هذه الخلافات ويغيرون في مضامينها».

«نفهم أن المسؤولين في نواكشوط، يضيف البقالي، يؤاخذون المسؤولين المغاربة في بعض القضايا التي يعتبرونها تضر بعمق العلاقات المغربية الموريتانية التي كان يجب أن تكون أحسن حالاً مما عليه حالياً، ويخصون في هذا الصدد احتضان المغرب لأحد أهم الوجوه البارزة المعارضة للنظام القائم في موريتانيا، وهو رجل أعمال يمارس نشاطه الطبيعي في إحدى أهم المدن المغربية، وتطالب السلطات الموريتانية نظيرتها المغربية بطرد هذا المعارض من التراب المغربي..ولم لا ؟.. تسليمه إليها».

وأكد «أن السلطات المغربية لم تدخر جهداً في إقناع المسؤولين في موريتانيا بأن الرجل يوجد في وضعية قانونية ولا تتوفر على أي مسوغ لترحيله، وأنه لا يقوم بأي نشاط سياسي علني أو سري، لكن كل ذلك لم يفلح، يقول البقالي، في جبر خاطر المسؤولين في نواكشوط، كما أن هؤلاء المسؤولين لم يسعفهم الجهد في تجاوز مخلفات تجاذبات سابقة بين البلدين، خصوصاً حينما تم انتخاب المغرب عضواً غير دائم في مجلس الأمن وحاز الغالبية الساحقة من أصوات الدول الإفريقية رغم أن موريتانيا كانت مرشحة باسم الاتحاد الإفريقي ومدعمة من طرف ثالوث الشر بالنسبة للمغرب وهم الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا».

وزاد البقالي «واليوم حينما يختار المسؤولون الموريتانيون استعمال قضية الصحراء المغربية حصان طروادة في هذه الخلافات اعتقاداً منهم بأنهم يمسكون المسؤولين المغاربة من اليد التي توجعهم، فإنهم يسيئون التصرف في إدارة هذه الخلافات، وينتقل بذلك الوضع من خلافات بين المسؤولين الموريتانيين ونظرائهم المغاربة إلى خلافات حادة وعاصفة بين المسؤولين الموريتانيين والشعب المغربي قاطبة، وأن هذا الشعب لن يقبل بصفة مطلقة أن تستغل أية جهة – ولو كانت شقيقة أو صديقة – ممارسة الابتزاز بهذه الطريقة البشعة».

وتوقف البقالي الذي ينتمي لحزب الاستقلال المتشدد في مطالبته بالصحراء بل بموريتانيا عند مؤشرات التقارب الموريتاني الصحراوي مضيفا قوله «..حينما تنتدب الجهات الموريتانية العليا من يمثلها في فعاليات المؤتمر الإستثنائي لجبهة البوليساريو الإنفصالية الذي نصب المرشح الوحيد والأوحد والذي لم يكن له منافس ولا شريك لشغل منصب رئاسة الجبهة، وقبل ذلك حينما حرص الرئيس الموريتاني على توجيه تعزية رسمية لقيادة هذه الجبهة إثر وفاة رئيس الجبهة السابق الذي نجحت الوفاة أخيراً في إزاحته عن منصب الرئاسة الذي خلد فيه طيلة أكثر من أربعين سنة، حينما تقوم السلطات الموريتانية بكل هذا فإنها تضيع الجهد والوقت على نفسها، لأن المغاربة لا يقبلون الابتزاز، ولا المتاجرة في هذه القضية»، حسب تعبير البقالي.
وتحت عنوان «ما نريده من موريتانيا الشقيقة»، طالب الصحافي الصحراوي سعيد زروال موريتانيا بالسماح بفتح سفارة صحراوية في العاصمة الموريتانية إلى جانب السفارة المغربية وعدم الرضوخ لمنطق الطرف المغربي القائم على مبدأ «لكويرة» مقابل السفارة، أي التهديد باجتياح منطقة لكويرة في حال السماح بفتح سفارة صحراوية بالعاصمة الموريتانية.

وأكد الصحافي الصحراوي ّأن سياسة الحياد الإيجابي التي تنتهجها موريتانيا في قضية الصحراء الغربية تقتضي الوقوف على مسافة واحدة من الطرفين من دون أن تعطي لأحدهما حقاً أكثر من الآخر»، حسب قوله.