&هوامش الأسفار وطرائف الأخبار: «السائق الفرنسي الخاص»
&
سمير عطا الله

&
أدخل غسان تويني الكثير من الحداثة على الصحافة اللبنانية، التي انتقلت معه من مرحلة إلى مرحلة، لكنه أدخل أيضا الكثير من الترقي في معاملة أهل المهنة: الرواتب العالية التي تُدفع قبل موعد استحقاقها، الزيادات التلقائية، الشهر الثالث عشر، الضمانات الصحية والمكافآت.

وأصبحت النهار توفد المحررين والمراسلين إلى أمكنة الحدث في كل مكان، من موسكو، التي أوفدت إليها، إلى سايغون التي أرسل إليها أمين معلوف يغطي أيامها الأخيرة. عام 1973 أوفدت لتغطية دورة الجمعية العامة في نيويورك، لكن حرب أكتوبر (تشرين الأول) جعلتني أمدد الإقامة، ومن ثم قررت، كالعادة، البحث عن موطن جديد، واخترت كندا.

لكن في العام التالي، جاء غسان تويني إلى نيويورك وقرر أن يعيدني معه إلى بيروت بالأغلال. أمضينا في نيويورك برفقته أيامًا حافلة وجميلة. وكان شديد الحيوية، كثير الفضول، يُتعبُ كل من يرافقه. وأكثر الناس تعبًا كانت زوجته الأولى، ناديا محمد علي حمادة. ذات يوم قال، قم بنا نذهب إلى واشنطن لبعضة أيام. وكما كان يفعل مع جميع العاملين معه، حجز لي غرفة في الفندق الذي ينزل فيه. أمضينا بضعة أيام كان نجم المدينة خلالها الدكتور كلوفيس مقصود، سفير الجامعة العربية في واشنطن والأمم المتحدة، والذي أقام حفلات استقبال مع زوجته هالة سلام، حضرها كبار الشخصيات الأميركية ابتداء، أو انتهاء، من هنري كيسنجر.

عندما قررنا العودة إلى نيويورك، قال الأستاذ غسان: ما دمنا خمسة، كلوفيس وهالة، هو وناديا، وأنا، فلماذا لا نستأجر سيارة ونمتع النفس بمشاهد الطريق. من يتولى القيادة مسافة 500 كيلومتر؟ المسألة محسومة: تفترض الفروسية توفير الراحة للسيدات. ثانيًا، الأستاذ غسان مصاب منذ الطفولة بعدم تمييز الألوان، وبالتالي، لا يستطيع القيادة. وأما كلوفيس، رحم الله الجميع، فسمعه أقوى من نظره بكثير، ولم يتقدم في حياته لشهادة سوق، مكتفيًا بالدكتوراه من أكسفورد. الخيار إذن واضح. ولكي تكتمل أصول الرحلة، تقرر أن تجلس هالة إلى جانبي كي تدلني على الطريق، فيما قررت ناديا تويني أن اسمي سوف يتغير إلى «فيرمان»، وهو اسم معظم السائقين الخاصين في فرنسا.

حسنًا. بقي من يضمن ألا يدب النعاس في السائق «فيرمان» طوال 500 كيلومتر. سوف يتولى غسان تويني، الذي كنا نناديه «المعلم»، آمر التسلية وإطلاق النكات ورواية القصص الضاحكة، وأكثرها عن حماه، السفير محمد علي حمادة، الذي عُرف عنه «الدبلوماسية المضاعفة»، فإذا أراد، استطاع أن يتحدث ساعة من دون أن يقول شيئًا. وهكذا كان ينقذ نفسه وينقذ الدبلوماسية اللبنانية من المآزق والطرق المسدودة.

وعندما وصلنا إلى نيويورك، كان غسان تويني لا يزال يروي ذكرياته، و«فيرمان» يكتشف في «المعلم» للمرة الأولى، قدرة الكوميدي الساخر الذي يُضحِك طوال الطريق، من دون أن يفقد ذرة وقار.
إلى اللقاء..&

&