&تركي الدخيل

يعتبر الوعظ في تاريخنا الإسلامي من أسس تزكية النفوس والتطهّر، به يستعين الإنسان على محاسبة النفس ومراجعة السلوك. وتاريخنا زاخر بأولئك الأتقياء من الوعاظ منذ إبراهيم بن أدهم، وابن الجوزي، والحسن البصري.

مهنة جليلة هذه أن تذكّر بالخير وتنزع الذات من الشر، غير أن الداخلين إليها من الجهال قد يفسدونها، وقد اشتكى العلماء مبكّراً من «المتعالمين» الذين يضخون الخطاب الوعظي السطحي الخرافي، معضوداً بالأوهام والأباطيل، وأخطر المتعالمين من تصدّر إلى الناس مفتياً بجهل، وواعظاً بلا عقل!

سمعنا عن قصّة الواعظ في مسجده حين باغت جماعته بالحديث عن مصافحة جبريل، وصلاة الملائكة خلفه، صحيح أنه اعتذر بعد أن وضّح له المختصون الخطأ، غير أن تصدر أمثال هؤلاء للناس يعزز من دخول الخرافة في المناخ الوعظي، ويبعد عنها سمة تزكية النفس التوّاقة إلى التطهّر والتنزّه.

وقد شكا من الوعاظ الشيخ علي الطنطاوي ت (1999) حين قال: «ولقد أدركت والله من العامَّة من كان يكوِّر العمامة، ويطيل اللحية، ثم يقعد للتدريس في مسجد دمشق الجامع، فيقول ما شاء له الجهل والهوى، ويجعله دينًا، والمفتي والقاضي والعلماء يمرُّون عليه أو يعلمون به، فلا ينكرون عليه، ولو اعتدى هذا الرجل على جبَّة أحدهم لأقام عليه الدنيا. أفكان الدين أهون على أحدهم من جبَّته؟!».