&الياس الديري

&تقول الأمثال إنَّ الرزق السائب يعلّم الناس الحرام، أو يعوِّدهم الحرام. وتقول أيضاً إن المال السائب يدفع الناس إلى حضن الحرام. وكلّما سابت الدنيا أكثر ازداد الإقبال على الحرام الذي يصبح أول بند في خانة التسيّب.

تهم "ابتلاع" المال السائب، أو المال الحرام تنهمر بالجملة، كمطر في شهر كانون الأول، وفوق رؤوس كثيرة، وفي حقول وميادين تكاد تعصى على الحسبان أو الاحصاء.
وخصوصاً في أرجاء دولة سائبة من الألف إلى الياء. والأعمال التي تُصنَّف في خانة الحرام، أو تندرج في جدول أعمال الفساد، تكاد تفوق الواقع والخيال.
منذ العهد الاستقلالي الأول وأحاديث الناس لا تخلو من الفساد، والمال السائب، وأولاد الحرام الذين حفظوا علم الحرام وطرقه وأساليبه منذ نعومة أظفارهم. وليس من اليوم أو أمس يقولون لبنان بلد "كل مين إيدو إلو"، بل من زمان.
وهذا القول الدقيق مصحوب دائماً بجملة تبريرية تشجيعيَّة، خلاصتها: الشاطر ما يموت. فتلاميذ الرزق الحرام، وأبناء المال الحرام، سجلوا نجاحات وقفزات رافقتهم في هجرتهم الى بلاد الانتشار.

فحيث يحلُّون يحلُّ معهم "رفيق العمر" الذي يدعى "الحرام". وليس من الضروري الغرق في بحر الفساد اللبناني وأنهره وبحيراته، فكل يوم يطلُّ مع صباحه نبأ حرزان عن غزوات الحرام في الحقول السائبة والصناديق المهجورة.
من العهد العثماني الى العهد الفرنسي، فعهود الاستقلال، ثم عهود التسيُّب والفلتان، والقصة هي ذاتها.
إنما مع تبدُّلات في الأسماء، والارقام، والأعداد، والمصادر والمؤسّسات والإدارات، وإلى آخره...

وفي مرحلة الفراغ الرئاسي، وانقشاع أو تراجع نفوذ القوانين والمسؤولين والمسؤوليات، باتت حكايات "الحرام" وتوابعه حكايات كل يوم، والمادة الأساسيَّة في الجلسات النادرة لمجلس الوزراء، والطلاَّت المفاجئة لبعض المتضرّرين، والأحاديث التي اخترقت كل المجالس والجدران والأبواب.

وزير المال علي حسن خليل قدّم مطالعة في مجلس الوزراء، مختصرها: الأزمة مالية بنيويّة، لها علاقة بوجود الدولة ومؤسّساتها أو عدم وجودها. لا يستقيم بحث أي وضع مالي في غياب المؤسّسات السياسيّة".

إذاً، ما العمل؟ مجلس الوزراء صار "رمزيّاً". والحكومة شبه موجودة، وشبه مفقودة، وشبه معترفٌ بها من وزرائها، وشبه غائبة بالنسبة إلى الجميع.
ومسلسل الفضائح، وروائح "الحرام" تزكم الأنوف، و"بغل" سعيد تقي الدين" استقال من زمان. ولبنان المستقل سائب من الجهات الأربع. هو يبحث عن الدولة، والدولة تبحث عنه!