علي سعد الموسى

بلغ بنا الغضب ذروته بعد تصريح الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وهو يقول: إن علينا من الآن مواجهة الإرهاب الإسلامي، وفيما بعد، وفي سابقة فريدة، أصدر قصر الإليزيه بيان تكذيب لقناة الجزيرة يقول فيه إن الترجمة لم تكن دقيقة رغم أن الجملة من خمس كلمات واضحة لا تحتمل اجتهاداً خارقاً حتى على المبتدئ في علم الترجمة. دعونا نكون أكثر شجاعة ومكاشفة في الجواب على هذا السؤال: ما الذي بقي لنا أن نكتبه عن الإرهاب وأسبابه وأهدافه ومنظماته ورموزه؟ أجزم أن أقلام هذا العالم قد كتبته في ملايين الصفحات، وتبقى السؤال الأخير الجريء: إلى متى ونحن نلتف حول الحقيقة من أن صورة مشوهة لهذا الدين العظيم هي المسؤولة ثم تلقى التأييد الخفي والتعاطف الواسع الطيف؟

وإلى متى ونحن ننتظر من هذا العالم أن يجاملنا بالقول الدبلوماسي إن الإسلام والمسلمين ليسوا مسؤولين أبداً في كل ما يحصل؟ علينا أن نتقبل التصريح الصادم جداً من الرئيس الفرنسي بعقلانية وموضوعية، وفي المقابل علينا أن نشرح له تاريخ هذا الإسلام مع التعايش والتسامح. علينا أن نعترف أمام أنفسنا وأمام هذا العالم أن هذا الدين العظيم لم يشهد عملية إرهاب واحدة حقيقية منذ ليلة "اقرأ" حتى عام 1980 من القرن الماضي، فمن هو الذي اختصر هذا الإسلام في مجرد آخر 35 سنة؟

الجواب هو نحن أولاً قبل الشرق والغرب، وهنا المدخل للبرهان: تقول دار "جيهان" للدراسات والنشر إن مجموع ما كتب حول الإسلام، ومن داخل أهله، في العقود الثلاثة الأخيرة فقط يفوق ما كتب عنه خلال 1400 عام بما يقرب الأضعاف العشرة. هذه ظاهرة مرض لا صحة لأن طبيعة النشر والتأليف والفتوى تتعمد الاختلاف والاجتهاد والابتكار والمنافسة على توليد أفكار جديدة. أصبحنا مع هذا الكم الهائل من الأدبيات لا نقرأ الإسلام الصافي من المنبع، ولا حتى من كتب التراث التي كتبت في القرون الأولى، بل أسرى لطبيعة المنافسة الكتابية في العقود الثلاثة الماضية.

من هو الذي سيتخيل أننا مثلاً كتبنا عن الإمام المجدد ما يقرب من ألف رسالة دراسات عليا توازي ألف ضعف ما تركه لنا من النشر، ولو كان رحمه الله بيننا لرفض ما كتب عنه. هذه الأدبيات الهائلة هي من أعطى كتائب الضلال والإرهاب مداخل التبرير بطيف هائل من الفتاوى الطارئة. هي وقود أسامة بن لادن والظواهري وحسن نصر الله وجهيمان وبوكو حرام والقاعدة وداعش والنصرة وحزب الله والإخوان والسلفية الجهادية وكل ما لا تتسع له كل صفحات الصحيفة. المسلمون غضبوا من تصريح الزعيم الفرنسي لأنه جمع كل هذا الطيف المريض في العقود الثلاثة الأخيرة مع تاريخ ناصع من 1400 عام في سلة واحدة، ولكن:

من هو الذي وضع كل هذا البيض أمامه على السلة؟ والجواب بكل وضوح وصراحة: هو نحن المسلمين لأننا نشاهد هذا الإسلام وهو مختطف من بعض أهله فلم نفعل شيئاً سوى المجاملة تحت هاجس الخوف. انتهت المساحة.
&