علي سعد الموسى

يقول أحد أشهر غلاة فرع الإخوان السعودي في تغريدة ما قبل الأمس: (إعادة العلاقات التركية مع الكيان الصهيوني كانت أخلاقية ومن أجل أهلنا في غزة ومن ينكر ذلك فهو إما مغرض أو جاهل). هو نفسه بقلمه وإلكترونه الذي يشتاط غضباً وتأليباً على مصر وشعبها وقيادتها كل ما سمع أو قرأ ولو عن مجرد اتصال هاتفي من سكرتير الخارجية المصرية مع نظيره في الخارجية الإسرائيلية: هنا قمة الجهل والتضليل والانتهازية، فما كان حراماً على مصر يصبح أخلاقياً مباحاً لتركيا، ومن فم (إسلاموي) يكفر بالقومية، وعلى هذه المسطرة كان عليه ألا يفرق في المواقف ما بين بلدين مسلمين تجاه عدو مشترك.

سبحت ليلة البارحة مع الطوفان المحلي في التعاطف الهائل مع رجب طيب إردوغان، وأنا معهم لأسبابي الخاصة، لا لعواطف هؤلاء: هو زعيم منتخب بنجاحات استثنائية لشعبه، وأيضاً نحن نحتاج إلى حليف يقف معنا فوق "الهلال الفارسي". في الكف المقابل: لو أننا طبقنا ظاهرة "الإسلام التركي" كما يزعم بعض هؤلاء لوصمنا غلاة التشدد بالدولة والمجتمع الكافر، مطاعم ومقاهي وحانات تركيا تفتح أبوابها في نهار رمضان فلا تخسر من عوائدها سوى أقل من 25 % عن الشهر الذي قبله. جامع أياصوفيا تحول إلى مزار سياحي تمارس فيه كل الديانات طقوسها رغم الرمزية الإسلامية التاريخية. إردوغان نفسه يؤدي القسم على الحفاظ على علمانية الدولة، ولربما يعيد هذا التأكيد في كل خطبه ولربما أيضا، فقد نطق بمفردة "العلمانية" ألف مرة ومرة. هو من اعتذر لروسيا وقبل ببقاء بشار الأسد، وأعاد تطبيع العلاقات مع تل أبيب في أقل من شهر. نحن هنا، ومع إردوغان وتركيا نمارس طبائع الجهل والتناقض: نلعن العلمانية لكنها تصبح "صحوة الإسلام" في إسطنبول وأنقرة. نشكك في عقائد الصوفية لكنها تصبح الدين الخالص عندما تكون "النوراسية" أو "النقشبندية" كما هو الغالب على الإسلام التركي. نقيم الدنيا ولا نقعدها شتماً على زيارة شيخ أزهري للقدس الشريف لأن هذا من التطبيع، بينما نضع إردوغان رأس حربة الإسلام، رغم أنه أول زعيم تركي يبصم على مناورة بحرية للجيش التركي مع البحرية الصهيونية قبل ست سنوات، فلمن وضد من تناور البحرية الإسرائيلية.

والخلاصة أن ما يحدث لدينا مع إردوغان دلالة ضعف وتبعية لأننا نضع فوق رؤوسنا كيساً ثقيلاً من الرمل وفي الطريق لأن نكون عواصم فارغة تحت مطارق طهران وأنقرة. كلا النظامين لا ينظران للعرب إلا أمة ذليلة متخلفة، وكلاهما غارق في فوقية القومية الفارسية والتركية على العربية. كلا النظامين وصلا للحكم عبر "الثيوديمقراطية" وهو مصطلح من اختراعي الصرف، ويعني استغلال عواطف الدين للوصول إلى الكرسي بمقياس العصر. النهاية: أنا مع إردوغان 101 % ولكن لأهله وشعبه وبلده وقومه وقوميته، ولا أقبل مزايدة بعضنا على إسلام أهلي وبلدي وقيادته.
&