&يحيى الأمير

في الثلاثين من أغسطس العام ٢٠١٢ كان الحزبيون والحركيون في المنطقة يشعلون الأجواء احتفالا بأن الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي في خطابه من طهران يترضى على الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم جميعا). كانت تلك الزيارة مؤشرا خطيرا للواقع السياسي في المنطقة وحدثا يبعث على القلق خاصة لدى دول الخليج ورغم ذلك لم ير الحزبيون والحركيون في تلك الزيارة إلا تلك الكلمة التي قالها الرئيس مرسي وجعلوا منها نصرا مؤزرا وقاموا ببيعه وترويجه عبر مختلف وسائل الإعلام وتمت استمالة العامة وتحويلهم لمعجبين بهذا «الفتح العظيم»!

بينما كان الترقب السياسي في المنطقة على أشده كانت دوائر الحزبيين والحركيين تعيش حالة من النشوة تصل إلى درجة العنجهية أحيانا، التفوا بشكل عاطفي يخلو من أي منطق سياسي أو وطني وتركوا لبلدانهم حالة القلق والترقب حيال السياسات البليدة التي انتهجتها جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي ما لبث أن ثار عليها الشعب المصري وأعادها إلى حيث كانت.
كانت صدمة الحزبيين كبيرة، حالة من الفقد والتيه جعلت كثيرا منهم يصرحون عن بغضهم لبلدانهم وسياساتها التي دعمت ثورة الثلاثين من يونيو في مصر.

وفي الواقع لم يكن الرئيس الإخواني محمد مرسي أباً مثاليا ولا قائدا يحمل أيا من الصفات التي يمكن أن تجعل منه نجما جماهيريا، ورغم أن الدوائر الحزبية وفي الخليج تحديدا حاولت ذلك جاهدة إلا أنه ظل طيلة فترة حكمه مثالا للتندر والسخرية وخاصة في الداخل المصري، لكن ذلك لم يكن مهما فالنجم الحقيقي كان الجماعة وانتصارها ووصولها إلى سدة الحكم.
أدت حالة اليتم المفاجئة إلى حالة من الانكسار العاطفي التي بدأت البحث عن أب جديد، لا يهتم الحزبيون والحركيون بهذا الأب ولا بصفاته الحقيقية ولا حتى بما قد يتصادم مع ثوابت في معتقداتهم، كان الرئيس التركي آنذاك -ولا يزال- من أكثر المشنعين على ثورة ثلاثين يونيو المصرية، ورغم أن ما حدث في مصر لا يمس تركيا من قريب ولا من بعيد وليست مصر دولة حدودية لتركيا ولم يصدر من القاهرة أي موقف معادٍ لأنقرة إلا أن الرئيس التركي ظل يعلن مواقف مناهضة للاستقرار المصري وبالتالي مناهضة لتوجهات بلدان الخليج التي باركت خيار الشعب المصري وباتت تصريحات أردوغان المعادية لمصر تتفوق -ربما- على تصريحاته المعادية لنظام بشار الأسد الإجرامي في جارته سوريا.

حتى فوارق اللغة والجغرافيا لم تكن حائلا أمام تنصيب الحزبيين لأردوغان أبا جديدا، كانت إشارات رابعة التي يرفعها الرئيس التركي في خطاباته أهم لحظات التعويض العاطفي لدى الحزبيين، وبدأت القصص تتوالى عن صلاحه وصيامه وصلاته وتلاوته للقرآن، وبدأ ترويجه للعامة من هذا المنطلق.

في الواقع وكما قال أحد المعلقين السياسيين الأتراك إن كثيرا من العرب يحملون تركيا والرئاسة التركية أكثر من واقعها، بمعنى أنهم يجعلونها حاملة لأحلامهم وأهوائهم بينما الواقع ليس ذلك، فأردوغان زعيم سياسي تحركه حسابات السياسة والمصلحة، بينما الحزبيون والحركيون تدفعهم أهواء التعلق بأبٍ جديد وزعيم يخرجهم من حالة التيه واليتم.

كانت محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا أبرز محطة لقراءة ذلك التعلق الأبوي من قبل الحزبيين والحركيين بالرئيس التركي، غابت كل مظاهر الحوار العقلاني واشتغلت مكائن التجريم والتفسيق والشتم لكل من يقرأ ويناقش لماذا حدث الانقلاب، استماتت تلك الأصوات دفاعا وهجوما على الجميع عدا من يعلن تأييده التام والمطلق ويقرأ التعاويذ على رأس الزعيم الأب، تبعهم في ذلك العوام على شبكات التواصل الاجتماعي، لم تكن القضية لديهم تركيا ولا استقرار المنطقة، كانت حالة من الذعر تحيط بهم خوفا أن يفقدوا هذا الأب الجديد والوحيد والذي تنازلوا معه حتى عن روابط اللغة والجغرافيا.

لا الشعب ولا الرئيس التركي يريان في ذلك مجدا ولا يسعيان في الغالب إلا لمصلحة بلدهما، والتتويج القادم من قبل الدوائر الحزبية والحركية هو شأن خارجي وليس شأنا تركيا، إنها معركة الولاءات الخارجية التي تمثل سلوكا حزبيا دائماً ومستعدا للبحث عن آباء وزعماء في ظل هذا اليتم والحنين الجارف إلى حلم يواصل تبدده مع الأيام.