&منهل باريش

ربما تكون الساعات الخمس، التي بدأت بعد العاشرة ليلة الانقلاب، هي من أسوأ أيام السوريين في تركيا، منذ بدء لجوئهم في حزيران/يونيو 2011، بعد بدء «جيش النظام» اقتحام مدينة جسر الشغور. أسرعت المعارضة السورية «مسلحة وسياسية» إلى إصدار بيانات إدانة الانقلاب صبيحة اليوم الثاني لوقوعه. واستعجلت الحكومته المؤقتة باستصدار بيان إدانة، متسرع، ينم عن ضعف خبرة سياسية، لأن النص لم يقتصر على اتهام الكيان الموازي، بل تعدى ذلك إلى اتهام دول إقليمية ودولية «لم يسمها البيان» بدعم الانقلاب. هذا في حين أن تركيا، صاحبة الشأن لم تتهم أي دولة بالوقوف وراء عملية الانقلاب، بل اتهمت الكيان الموازي بزعامة فتح الله غولن فقط، وذلك رغم كل الاشاعات عن تورط أمريكي من خلال قاعدة انجرليك.

وأصدر الجناح السياسي في حركة أحرار الشام الإسلامية بيانا أدان «الانقلاب الفاشل ضد الحكومة التركية المنتخبة»، وتمنت الحركة «أن تكون المحنة، منحة تجمع شمل الشعب التركي وأطيافه السياسية، وتحقق السلم الأهلي الداخلي». ووصف البيان فشل الانقلاب بأنه «انتصار الإرادة الحرة للشعب التركي الشقيق ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت تركيا العدالة وسياستها». ويتخوف السوريون من أنصار الثورة السورية في تركيا وسوريا من ارتدادات الانقلاب الفاشل، لجهة تأثيرها سلبا على قرارات الدولة التركية بحق السوريين، خصوصاً بعد فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد.

وخفف جورج صبرة، عضو الهيئة العليا للمفاوضات، من تبعات الانقلاب الفاشل على السوريين والملف السوري لدى الحكومة التركية، وقال لـ«القدس العربي»: «أعتقد لن يتغير الموقف التركي، وسيبقى التغيير بحدود طفيفة ومحسوبة». واعتبر صبرة أن القرار التركي بالوقوف إلى جانب الثورة السورية «هو قرار حكومي وشعبي، وأرى أن انتصار الإرادة الشعبية في تركيا، بمثابة دعم جديد، خصوصاً وأن المشترك بين الشعبين السوري والتركي هو دفاعهما عن حقهما في الديمقراطية وسيادة الشعب ضد السلطة العسكرية».

وتظاهر أعضاء في الحكومة السورية المؤقتة مع عدد كبير من الفصائل الإسلامية وفصائل الجيش الحر في بلدة أطمة الحدودية ضد الانقلاب، و«دعماً للشعب التركي ورئيسه المنتخب ديمقراطياً»، حسب أحد النشطاء الذي حضروا المظاهرة.

من جهته، اعتبر موفق نيربية، نائب رئيس الإئتلاف الوطني السوري، أنه من المبكر الحديث عن انعكاسات الحدث التركي على «القضية ووضع السوريين». وقال نيربية: «ربما يحتاج الأمر إلى وقت قريب من الوقت الذي حددته الحكومة التركية لحالة الطوارئ! على الرغم من ذلك، يمكن التأكيد أن فشل الانقلاب من جهة، وطريقة هزيمته من جهة أخرى، أمران وثيقا الصلة بنا وبقضيتنا، فالانقلاب كان سيعني انعطافاً محتماً في السياسة الخارجية، وخصوصاً في ما يخص مسألتنا المهمة لجارتنا الكبيرة». وأشار نيربية إلى أن «طريقة مساهمة الشعب النشيطة والفاعلة والسلمية هي دعم معنوي كبير لقضيتنا، إضافة إلى غلبة الروح الوطنية على أجواء تلك الساعات العصيبة، وحتى الآن». وأضاف: «لا أظن أبداً أن انعكاس ما حدث سيكون حاداً، بل أعتقد أن الموقف التركي من قضيتنا سيكون بعد الآن أكثر عمقاً وتوازناً وثباتاً. وهو حتماً سيكون داعماً لقوى الثورة، بل الشعب السوري، وللعملية السياسية في الوقت نفسه».

داخليا، قال غسان حمو رئيس مجلس محافظة ادلب الحرة لـ «القدس العربي» أن تركيا «ستتعافى من محنتها سريعاً، ولسنا خائفين من تبدل في الموقف التركي تجاه دعم الثورة».
وأشار حمو إلى أن السلطات التركية «فتحت معبر باب الهوى بعد يومين من قرار إغلاقه. وسمحت للقوافل الإنسانية باستكمال حركتها باتجاه الداخل السوري. كذلك استقبلت تركيا الجرحى، والحالات المستعجلة».

وأكد قائد عسكري تابع للجيش الحر «عدم وجود تغيرات بشكل مطلق» فيما يخص الدعم المقدم عبر غرفة «الموم»، وأن «الأمور ما زالت ضمن الإجراءات والآلية المعتادة».
ومن الملاحظ، بعد فشل الانقلاب على الرئيس التركي وحكومته، أطمئنان المعارضة السورية إلى أن علاقة تركيا بالثورة السورية لن تتغير، ومن اللافت أن قراءة المشهد يشوبها الكثير من الواقعية، أو الرغبة الغنكارية.

ذلك لأن فشل الانقلاب، والذي تصدى له الشعب التركي، سيؤثر داخليا على الوضع السياسي والتحالفات السياسية. صحيح، أن المعارضة السياسية اصطفت إلى جانب الحكومة ضد الانقلاب، لكن هذا لا يعني أن الأمر سيستقر سياسيا في وقت لاحق. وحملات الاعتقال الكبيرة، التي طالت حتى المدرسين وأساتذة الجامعات، ستخلق أزمة اجتماعية سوف تظهر آثارها بعد وقف حالة الطوارئ، فآلاف الأسر ستجد نفسها بلا دخل في تركيا النامية اقتصاديا.

ويبقى على أنصار الثورة ومعارضتها التفكير جدياً في مصيرهم ومصير»الثورة « لو خسر أردوغان وحزبه في أي انتخابات مقبلة، أو تعرض النظام السياسي التركي لأي هزة أو تغيير. وصار واضحاً أن هذه الدولة تترصدها أعين الفاعلين أقليميا ودولياً، وتحاك ضد التجربة التركية مؤامرات متلاحقة في مطابخ سياسية واستخباراتية عديدة.