&مأمون فندي

بعد كل حادث إرهابي في باريس أو نيس أو ميونيخ أو لندن يصعب عليك المشي في مدن الغرب بهذه الملامح، ملامح العرب، القديم هو أننا كنا ضحية القوالب الذهنية الجاهزة لدى الإنسان الأبيض، الجديد هو ليس أن عيون الإنسان الأبيض ترقبنا بحذر، بل عيوننا أيضا، إذ بدأنا نخاف من بني جلدتنا في الحافلات العامة والشوارع والميادين. تسرب الخوف منا إلينا. السؤال لم يعد كيف يرانا الغرب بل كيف ترانا عيوننا نحن، كيف يرى المصري الخليجي وكيف يرى السعودي السوري أو كيف يرى العراقي المصري وكيف يرى العُماني السوداني وكيف يرى المغربي الفلسطيني، بدأنا نتشكك في أنفسنا ودوافعنا وماذا سنجلب على البشرية من خراب. إننا نمرّ بحالة تشويه ليس من خلال تكفير الآخر المخالف بل تشويه أنفسنا وتكفير أنفسنا. لم تعد شوارع مدن الغرب تقبلنا، أو إن شئت شوارع الغرب تلفظ أقدامنا.

بعد حادث إطلاق النار في مول تجاري في ميونيخ الألمانية ليلة الجمعة الفائتة قالت بعض الوكالات والإذاعات إن شهود عيان سمعوا القاتل يصرخ بشعارات ضد المهاجرين وهو يطلق النار ويحصد الأرواح، ومع ذلك هناك شهود عيان آخرون أصروا أن القاتل كان يصرخ «الله أكبر»، قد تكون الثانية غير حقيقية ولكن الناس ومن كثرة العنف الذي يرتكبه المتطرفون منا في بلاد الغرب باسم «الله أكبر»، تخيل البعض أنهم سمعوها رغم أنه من الوارد أنها لم تقل.
لم تعد فكرة الدفاع عن إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين والإسلام أمرا مجديا الآن، فالعقول والقلوب الغربية جاهزة لتقبل أي عمل عنيف على أنه إسلامي.

إلى هنا والأسئلة تبدو عاطفية ولكن السؤال الأكبر هو ما الحل وأين بوابات الخروج من هذا المأزق الذي يبدو وكأنه أضحى حالة وجودية؟

في تصوري أنه بالنسبة لمن يعيشون في الغرب منا، لم يعد التعويل على سياسات دول جئنا منها هي الأهم، فالسؤال أصبح شخصيا جدًا، يبدأ بإصلاح الذات وبناء عائلة قادرة على التوازن بين ثقافة غربية حاضنة وشاملة وثقافة محلية أتينا بها إلى عالم امتلأ بالشكوك تجاهنا. إما أن نحتل المسجد ممن أخذوه عنوة، ونفرض إسلامنا الحنيف أو نتركه لعالمهم العنيف.
هي لحظة حرجة ولكننا نستطيع أن نفتح كوة للنور في هذا الظلام الحالك ونبدأ حوارا مع الذات والآخر أساسه تعايش الأديان والثقافات، لا نريد أن نغيرهم أو يغيروننا، لكم دينكم ولي دين. لحظة الحوار هذه هي ذلك الخط الذهبي تحت الغيمة المظلمة، فرصة تولد من قلب الأخطار كما يقول أهل الصين.

أما دولنا التي أتينا منها فعليها تحديات سياسية كبرى، أولها الاعتراف بأن لدينا مشكلة على الأقل على مستوى الانطباع لدى دول أخرى مهمة ترى أننا لسنا جادين في معالجة مشكلة تولدت في مدارسنا ومجتمعاتنا وإعلامنا ومساجدنا، وعلينا إصلاح كل هذه المنظومة مجتمعة.
أعلم أننا دول مختلفة بسياسات مختلفة، وقد تعاملت بعض من دولنا مع جزء من المشكلة بعضها متقدم على الأخرى، ولكن في المجمل السياق الحاكم لها كلها هو سياقنا الثقافي الإسلامي.
لدينا منظمات جامعة كجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرهما، كلها فشلت في مواجهة جادة مع المشكلة، وتبنت سياسات الهروب بطرح مفاهيم مختلفة كصراع الحضارات أو تعايشها،

وكلها ألاعيب دبلوماسية لا تعبر عن أي محتوى فكري يليق بحجم التحديات.
أسئلة يجب أن يجيب عنها كبار المفكرين لا الدبلوماسيون الصغار من كتبة خطابات الوزراء.
منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 والأمواج تلطمنا من كل حدب وصوب. خمسة عشر عاما من الفوضى والإرهاب وتقاذف المسؤولية بيننا وبينهم. هل هم من دبروا ضرب أبراجهم لغزو بلداننا؟ هل الإرهاب لعبة تحركها قوى أخطر تعبث في الظلام، وما نحن إلا الضحية في هذا السياق الأوسع.

المهم في هذا كله أنها كانت خمسة عشر عاما من طباعة وشم على أجسادنا، جعل منا رمزا للإرهاب، جعل ملامحنا وخطواتنا هي ملامح العنف وخطواته، جعلتنا محل شك لدرجة أن الشوارع باتت تلفظ أقدامنا، فهل من تفكير جاد حول بوابات للخروج من هذا المأزق؟ تقاذف التهم لم يفدنا خلال خمسة عشر عاما، فهلا اخترنا طريقا آخر أكثر جدية؟
&

&