نجيب عبد الرحمن الزامل

.. وها نحن نعود مرة أخرى وأخرى .. للدموع والشموع بعد كل حادثة إرهابية في أوروبا وأمريكا.

في الولايات المتحدة عُقَّال كثيرون في الصحافة والفكر ومن أعضاء الكونجرس يطالبون بمنع بيع الأسلحة للأفراد، إلا أن وكالة الأسلحة الأمريكية قوية جدا، ووراءها سند داعم من قوى كثيرة اقتصادية وسياسية ومجتمعية.

ويناقش بعلانية في صحف أمريكا وبريطانيا، بأنه أصبح شيئا مثل المستحيل أن تحمى الأرض الداخلية للبلاد من أي معتد أو مضطرب يملك سلاحا، أكان فردا كما حدث كثيرا من مواطنين مختلين. على أن منافس الرئاسة الأمريكية الجمهوري اليميني دونالد ترامب وعد كل مواطن أمريكي وعدا قاطعا بالسماح بشراء واقتناء الأسلحة حتى يحمي كل مواطن عائلته.. وهنا ستصبح الأسلحة قريبة للطفل والمراهق والمتهور والغضوب بَلْهْ المنحرف عقليا.

يقول الأنثربولوجيون المهتمون بالطبائع الأساسية للسلوك البشري، إنه من فجر التاريخ قبل الأديان يجبل بعض الناس على حب القتل والتلذذ به، ويوردون القصص الكثيرة. ولا يخلو شعب في العالم، ونحن منهم، من قصص تحكي عن قتلة مفزعين سواء بالإجرام الكامل أو بأردية تشف عن الطبقة الحقيقية لسلوكهم الذي يسميه بقية البشر بأنه "غير سوي". أردية إما تظهرهم كمحاربين أبطالا، أو مدافعين عن مذهب، أو عنصريين، أو متدينين، أو حتى لعبة (والأمثلة المأساوية كثيرة في الإرهاب الرياضي).. يعني أن الأردية كلها زيف متلون، وتبقى الصفة الأكيدة التي تجمع كل هؤلاء تحت وصف واحد هي الوصف الذي يلحق بالقتلة المجرمين سفاحي دماء البشر.. قائدا كان، أو رجلا مختلا بيده بندقية ومعمر قلبه بذخيرة متفجرة من الكره المرضي، والعالم الأسود.

وهناك أكثر من مقال وفيديو لحكماء بالغرب، يصرخون في الناس ويقولون لهم لا شأن للدين بذلك، ويشرح بعضهم بحماسة حتى أكثر منا كيف أن الدين الإسلامي هو الذي أنار العالم فكرا وتقدما وتحضرا في التعامل الإنساني، والكتب المبهرة بهذا الموضوع كثيرة. وفي قمة الفزع الأوروبي من حوادث الإرهاب المقيتة تقف رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة لتقول: إن لا علاقة لدين الإسلام بما يقوم به الإرهابيون، وأوضحت ببواكير خطاباتها لشعب الجزيرة البريطانية وللعالم ذلك بحماسة وبشخصية راسخة، وانتزعت التصفيق مرات من المستمعين تجاوبا مع حماستها المنصفة والعادلة.

في حادثة ميونيخ تريث الإعلام والرسميون بالشرطة من أي تسرع قد يصم حتى "داعش" "تصوروا!"، لأنهم يريدون الحقيقة لا رمي التهم العنصرية ضد الدين، ولما اتضح أنه ألماني إيراني، رغم ما قيل عن حالته العقلية إلا أنه يبقى شابا إرهابيا تماما مثل الأفغاني الذي قص لحوم الناس بالفأس في قطار. أكانوا مختلين عقليا أو مصابين باضطراب عصبي، فهم إرهابيون، كمنتمي "داعش" فهم مختلون بشكل سافر وإلا لما أقدموا على ما لا يقبله العقل وإلا أي منطق. كلهم بالنهاية قاموا بعمل إرهابي، فالنتيجة واحدة، وإن اختلفت الدواعي والأسباب.

كل القتلة السفاحين يعانون فشلا دماغيا وفقدان أمل بحياتهم. والدول والحكومات مهما كانت قوية أمنيا إلا أنه من الصعب التنبؤ من أين سيأتينا الخبر القادم. قبل أمس كان في أفغانستان (وطبعا لم يحظ بتلك التغطية الإعلامية الرهيبة كتلك التي بأوروبا وأمريكا) والضحايا مسلمون، بل من المسلمين ربما الأكثر محافظة في العالم الإسلامي الآن..

إذا كان عاقلو الغرب يعززون الدليل بأنه إجرام وانحراف دماغي وليس لأي دين علاقة به، فإني آسف بأن أسمع في الإعلام العربي الفضائي بمسمى الراديكالية الإسلامية التي يحاربها زعماء الحزب الديمقراطي في أمريكا، وينادي بها عنصريو الجمهوريين.. أأسف كثيرا.

عندنا قوة إعلامية عالمية لا يستهان بها، إنما السؤال المعلق: "كيف استعملناها"؟ و"كيف سنستعملها"؟