&عبدالعزيز السماري

&كانت احتفالية بعض رموز التيار الديني المسيس صاخبة بفشل الانقلاب التركي، برغم من علمانية الدولة، وبرغم من مخالفة ذلك لأطروحاتهم السياسية والثقافية السابقة، فالعلمانية كانت وما زالت في فتاويهم في حكم الكفر والإلحاد، فما الذي تغير في نظرتهم لها بعد عقود من تكفير الحكام العرب والمثقفين الذين كانوا يطالبون بها كحل سياسي لبعض الدول التي تتمزق من الداخل.

ليس الغرض أن أخوض في الشأن التركي مرة أخرى، لأنه يخص دولة أخرى، والشعب التركي قال كلمته وانتهى الأمر، لكن أود أن أخوض في الشأن العربي المتمزق الذي أصبح يهدد استقرارنا، بسبب الحروب الأهلية والصراع بين الإسلاميين الذين يريدون إعادة دولة الخلافة في العراق والشام ومصر وليبيا والجزيرة العربية، وبين الذين يؤمنون بفلسفة الدولة المدنية، على ألا تكون هناك صبغة طائفية للوطن.

الخلافة فكرة طارئة سرقتها بعض العقول من فكرة البابوية في القرون الوسطى، ولا يوجد في الإسلام نص يجعل من الحاكم خليفة لله عز وجل على وجه الأرض، ولكن الإنسان بمختلف أطيافه وأجناسه وجذوره هو الخليفة في الأرض، وعليه مسؤولية عمارتها والمحافظة عليها، وليس تدميرها، وفيه نهي عن القتل والتدمير وحث على البناء والتعمير..

إخوتنا عرب الشمال في العراق وسوريا يتمزقون ويتعرضون لمؤامرة إن شئت، أو لجهالة من أطيافهم السياسية والطائفية، ولا بد من اختراق ذلك الدمار والهلاك الذي يعصف بديار العرب في الشمال، ويكون بخروج المؤثرين على الأرض العربية من مختلف الأطياف، بحل جامع يُقدم للجميع، أشبه بالحل التركي الذي أصبح مثالاً للقوة، ومثارًا للتمجيد من قبل أطيافهم ورموزهم، لاستقراره ومناعته.

كان العرب في الموعد عندما تعرضت دولة لبنان لحرب أهلية مدمرة، وكان الحل نسبيًا أفضل من القتال، لكنه مع ذلك أبقى البارود في حالة تأهب للانطلاق مرة أخرى، وإن أرادوا أن يتجاوزوا هذه الحالة فلا بد من الحل التركي، الذي أثبتت الأيام مناعته ضد التمزق الداخلي، الذي عادة لا ينتهي إلا بالدمار والخراب، إِذ لا يمكن لأي طرف أن ينتصر ويحكم الآخرين بقوة السلاح، ولكن من خلال آلية التنظيم السياسي العادل.

مرحلة فرض الأمر الواقع مرحلة بدت في الأفول من العالم الحديث، ولا بد من التوافق بين فئات المجتمع باختلاف أطيافها على نظام سياسي متفق عليه من الجميع، ويكون أشبه بالآلية التي تنظم تداول السلطة فيما بينهم، وعلى أبناء العراق أن يدركوا أن الطائفية أشبه باللغم السياسي الذي يفجر الأوطان، الحل يكون بإخراج الطائفية والعرقية من التنظيم السياسي، وما فعله الأمريكان في العراق كان غرضه التدمير لهذا البلد العربي الجميل.

يُدرك رموز التيار الديني السياسي بمختلف رموزهم أن تركيا لن تتبدل أحوالها، فالعلمانية حل لن يتنازل عنه الشعب التركي، ولو حاول أيا كان أن يؤسلم تركيا على طريقة المنهج السلفي التقليدي لاندلعت في تركيا حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، السبب أن ما يُطلق عليه بالطريقة السلفية في الحياة قد تكون خيارًا فرديًا، لكن لا يمكن أن تطبق على الجميع بالإكراه، وذلك لأن التنوع والاختلاف فطرة إنسانية محضة، كما أن ما يُطالبون بتطبيقه يتعارض كلية مع وعي وتطور الإنسان في حياته الدنيا..

لهذه الأسباب سننتظر من السياسيين العرب كلمتهم في حل جامع لحالة الدمار في الشام، وأن يتعلموا من تجربة أردوغان نفسه، وذلك عندما خرج من حزب أربكان الأصولي، وأسس لحزب جامع لمختلف أطياف وطوائف المجتمع التركي، ولكن الأهم أن يتوصل علماء الدين المؤثرين والثقات من الطائفتين السنية والشيعية، إلى إخراج فتوى موجهة لأهل الشام والعراق، تحثهم على استنساخ التجربة التركية، قبل فنائهم عن بكرة أبيهم في مستنقعات الدم وأجواء البارود، والله المستعان..