&المغرب: معركة بيانات وتصريحات بين وزارة الداخلية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني


محمود معروف

& اندلعت معركة البيانات والتصريحات بين وزارة الداخلية المغربية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بعد الكشف عن تفويت بقعة أرضية في منطقة راقية في الرباط إلى والي المدينة (محافظ) بسعر يقل 10 مرات عن السعر المتداول في المنطقة.


ورغم توضيحات وزارتي الداخلية والمالية إلا أن التصريحات لشخصيات حزبية ومواقع التواصل الاجتماعي لا زالت منشغلة بهذا الملف واعتبرت أن بيان الوزارتين يزيد الطين بلة. وقال وزير الداخلية محمد حصاد، ومحمد بوسعيد، وزير المالية، في بلاغ أرسل لـ«القدس العربي» حول تفويت بقعة تابعة للملك الخاص للدولة إلى والي الرباط سلا القنيطرة، عبد الوافي لفتيت، بثمن رمزي في واحد من أغلى وأرقى أحياء الرباط أن «ثمن وشروط اقتناء القطع الأرضية التابعة لهذه التجزئة، يحددها بتدقيق مرسوم للوزير الأول صادر بتاريخ 26 كانون الاول/ ديسمبر1995 «، واتهما حزبا سياسيا، دون أن يذكراه بالاسم، في إشارة واضحة إلى حزب العدالة والتنمية (الحزب الرئيسي بالحكومة) بأنه هو من يقف وراء ما وصفها بـ «الحملة المغرضة».

وقال في البلاغ إن الأمر يتعلق بـ «شراء قطعة أرضية تابعة للملك العمومي، وأن هذه القطعة الأرضية جزء من تجزئة سكنية، مخصصة لموظفي وخدام الدولة، مند عهد الملك الحسن الثاني».

ووصف الوزيران الوثائق التي تثبت البيع بثمن رمزي لبقعة أرضية تبلغ مساحتها نحو أربعة آلاف متر مربع بسعر 350 درهما للمتر الواحد، وهي الوثائق التي نشرتها وسائل إعلامية عدة، ومجرد «مزاعم واتهامات مغرضة موجهة ضد والي جهة الرباط- سلا- القنيطرة»، بخصوص شراء قطعة أرضية تابعة للملك العمومي، موضحة أن هذه القطعة الأرضية جزء من تجزئة سكنية، مخصصة لموظفي وخدام الدولة، مند عهد الملك الحسن الثاني.

وقال البلاغ «ما يبعث على الاستغراب أن ينخرط في هذه الحملة المغرضة، ضد والي الجهة حزب سياسي والمنابر الإعلامية التي تدور في فلكه، الذين كان من الأجدر بهم أن يطالبوا بتغيير المرسوم المذكور، بدل التشهير بمسؤول سام مشهود له بالكفاءة وبالحرص على خدمة الصالح العام، علما بأن تغيير مرسوم لا يتم إلا بمرسوم، حسب القاعدة القانونية».

ونشرت مواقع الكترونية مغربية أن تجزئة تقع بمحاذاة النقطة الكيلومترية 9 على طريق زعير سابقا، وشارع «محمد السادس» حاليا، وتوجد خلف مقر «أكاديمية المملكة المغربية» وكانت ملكا للجنرال أحمد الدليمي الذي توفي عام 1983 في حادث سير غامض في مراكش، حيث اختار الجنرال مقر سكانه حتى يكون قريبا من مقر عمله، وهو المقر السري للمخابرات آنذاك المعروف بـPF3»» والذي يعتقد أن الكثير من المعارضين اختفوا داخله وإلى الأبد.

وحسب مذكرات نشرتها «الجريدة الأولى» المغربية قبل سنوات لشقيق الجنرال الدليمي، فقد أمر الملك الراحل الحسن الثاني بمصادرة قصر جنراله مباشرة بعد وفاته، ومصادرة الأراضي التي كانت محاذية للقصر وكان الجنرال قد استولى عليها.

وقالت المصادر نفسها إن من بين «خدام الدولة» الذين استفادوا من هذه التفويتات كل من وزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية.

وحتى يتحاشى أزمة داخل حكومته وجه عبد الاله بن كيران بصفته الأمين العام لحزب العدالة والتنمية وناطقا رسميا باسم الحزب، انتباه أعضاء الحزب إلى الامتناع عن التعليق على بلاغ وزيري الداخلية والاقتصاد والمالية، المتعلق بوالي الرباط، أو تقديم أي تصريح بشأنه.
وحسب ما نشره الموقع الرسمي للحزب فقد «وجه الأخ الأمين العام للحزب الأستاذ عبد الإله بن كيران، بصفته ناطقا رسميا باسم الحزب، انتباه الإخوة والأخوات مناضلي ومناضلات حزب العدالة والتنمية، إلى الامتناع عن التعليق على البلاغ المشترك الصادر عن وزيري الداخلية والاقتصاد والمالية، المتعلق بوالي الرباط، أو تقديم أي تصريح بشأنه».

إلا أن القيادي المثير للجدل في الحزب، عبد العزيز أفتاتي، وجه مدفعياته الثقيلة ضد ما اعتبرهم ”كراكيز الدولة العميقة”، يريدون تقسيم الدولة والمجتمع إلى صعاليك وخدام الدولة” وقال ان دعوة بنكيران مناضلي الحزب بعدم التعليق على مضمون البلاغ، الذي أصدرته أمس وزارتا الداخلية والاقتصاد، معتبرا أنه ”توجيه غير سليم من الأخ بنكيران، لأنه لا يمكن السكوت على الإرهاب وجريمة التحكم”..

وقال إنه ” لا يمكن السماح لوزراء داخل التحالف الحكومي إصدار بلاغ ”بئيس” ويتضمن افتراءات وكذب، للتعليق على قضية مصيرية تشغل بال المغاربة، الإثراء غير المشروع للمسؤولين لا يمكن السكوت عنه، عبر إصدار بلاغات رسمية لإرهاب المواطنين، لأن القضية يتورط فيها مسؤولون كبار في الدولة”.

وأضاف افتاتي ”لا يمكن في هذه اللحظة المرور على ما يدور من نقاش عمومي يهم ثروة المغاربة مرور الكرام، لأن دور نائب الأمة هو التفاعل مع القضايا التي تهم الرأي العام، حزب ”العدالة والتنمية” مطالب بمناهضة الفساد وأدوات التحكم”.

وقال عبدالله البقالي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، إن البلاغ المشترك لوزارتي «الداخلية» و»المالية» في قضية تفويت أرض بثمن «بخس» لولي جهة الرباط-سلا-القنيطرة، «بئيس» يتضمن اتهامات «صريحة» للأحزاب السياسية ووسائل الإعلام المغربية، واتجه نحو تسييس الملف، واكد أن لهجة البيان «تحتقر المغاربة»، وتطلق الكلام على عواهنه، متسائلا حول اسم «خدام الدولة»، فهل تعتبر الداخلية 35 مليون مغربي مساخيط الدولة».

وأكد البقالي على «أن لدينا حكومة تفتقد للتواصل الحقيقي مع المواطنين، وأنه من النظافة والشرف التشجيع على فضح الفساد، أيا كانت الجهة التي عرته، وتجنب محاولات تسييس القضية، فما يقع لا علاقة له بالحملة الانتخابية، وأن الوالي لا علاقة له بالاستحقاقات الانتخابية، وأنها ليست ذريعة لإخفاء الفساد وترك الريع».

وأضاف البقالي، في تصريح نقله موقع لكم، أنه لا ضرر في نشر تفاصيل القضية والتحقيق فيها، مسجلا أن الداخلية تملك جميع الوسائل اللوجيستيكية والتقنية لكشف اسم الحزب ووسائل الإعلام التي فضحت القضية بدل توجيه اتهامات للأحزاب، وأن من حقها متابعته إن كان يقوم بأمور غير قانونية.

ووصف النائب البرلماني الاشتراكي المعارض، حسن طارق، البلاغ المشترك، الذي أصدرته أمس، وزارتا الداخلية والاقتصاد والمالية، بـ»غير المهني والمسيس» وقال «البلاغ يمارس الجدل والبوليميك الهابط، ومكتوب بلغة سياسية مهزوزة».
وأضاف إن البلاغ «لا يليق بوزارة كبيرة داخل الحكومة» و»البلاغ يستدعي الملك الراحل الحسن الثاني بشكل غير واضح واستعمال مفهموم «خدام الدولة» سيثير إشكالات أكثر مما سيجيب عن أسئلة الشعب المطروحة».

وقال النائب البرلماني «لازلنا ننتظر أجوبة حول هذا المرسوم وحول الشروط الإدارية والأخلاقية والقانونية لهذا البيع حول قضية شبهة استغلال النفوذ وتضارب المصالح والتسريبات المخلة بالتنافس النزيه»، متابعا قوله « الوزارتان دخلتا في مواجهات سياسوية دون تقديم أي جواب على ما طرح».

وقال رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، محمد المسكاوي، إن مضمون البلاغ المشترك لوزيري الداخلية والمالية، «عنصري وعذر أقبح من زلة».
وقال إن «مثل هذه السلوكات تؤكد استمرارية سياسة الريع الاقتصادي في المغرب وتهدد الاستقرار الاجتماعي»، و»اليوم تم الكشف أن التجزئة استفاد منها مواطنون آخرون منهم أجانب وهذا يؤكد كذب الوزارتين».

وأضاف المسكاوي «الموضوع ليس بجديد، هذا دائما كان مرتبطا بسلطة الولاة والعمال التي تفوق السلطات المنتخبة وأن هذا يبين أن المغرب لازال مترددا في الدخول النهائي للديمقراطية الحقيقية التي تجعل المؤسسات المنتخبة من طرف الشعب هي التي تسير بمعية المؤسسات الرسمية الأخرى».

وأكد رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام أن «ما حصل يتعارض مع الدستور المغربي، الذي ينص في أحد فصوله، أن جميع المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات، وأن الشبكة المغربية لحماية المال العام تعتزم رفع دعوى قضائية أمام الوكيل العام للملك بالرباط، مباشرة بعد استكمالها لجمع الوثائق اللازمة.

وقال سيون أسيدون، المستشار في الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبرانسي المغرب)، إن تفويت بقعة أرضية تبلغ مساحتها 4 آلاف متر، تابعة للملك الخاص للدولة، إلى والي الرباط، عبد الواحد لفتيت، مقابل ثمن ”بخس”، يمثل إحدى تجليات الممارسة المخزنية التقليدية التي ترجع إلى العهد السابق”.

وأضاف أن هناك ممارسة مخزنية تقليدية، بعد تفويت ملك خاص للدولة إلى مسؤول سام في الدولة، مستدركا أن ”هذه الممارسات تعود إلى زمن سابق”.
وأكد أن ” البلاغ الرسمي الذي أصدرته كل من وزارتي الداخلية والاقتصاد والمالية، تجرأ على ربط هذه الخدمة- تفويت الملك الخاص للدولة – بعهد السلطان السابق، وبالخصوص في مرحلة التطهير سيئة الذكر”.

وكشف اسيدون عن الإجراءات القانونية التي تحدد مرجعية أسعار العقارات، وقال إن ”المكتب التنفيذي للجمعية سيتدارس هذا الملف، ومدى قانونية هذه المعاملة، خصوصا وأن المرسوم المحدد لهذا العقد يعود إلى سنة 1995، أي إلى عهد سابق”.