&سالم سالمين النعيمي

الرصاصة التي ستقتله لن يشعر بها! فالدوافع وراء الهجوم على ضحايا مدينة «نيس» الفرنسية قد تكون متعددة سواء كانت أيديولوجية أو تتعلق بانتحار شخص فقد اتصاله مع الواقع ويعاني من مشاكل نفسية وعقلية، أو شخص مهمش وأراد الخلود في ذاكرة العالم لأسبوع أو أسبوعين، أو أياً كان التفسير الذي يجعل إنساناً يدهس المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء وغيرهم ومن جنسيات مختلفة بغض النظر عن ديانتهم.. هو أمر يخرج خارج حدود أي تفسير علمي في علم نفس الجريمة، أو التطرف والإرهاب وأمور عديدة. فالحادث الإرهابي لا يحدث من دون توفر عوامل مساندة، أي بيئة تفرخ له، قد تكون على سبيل المثال فكراً دينياً يصاحبه يأس وإحباط وشعور بفقدان الهوية والانتماء، مما يجعل الشخص يحمل فكراً متطرفاً قابل للتحول إلى فعل عنيف. وربما كان الشخص يعاني من مرض نفسي أو عقلي، أو يكون كارهاً لسياسات الدول التي تقزّم أمته، وبالتالي دينه في وجهة نظره، مما ينمي لديه الشعور بالذل والمهانة، وتصبح المسألة رحلة إعادة الكرامة المفقودة حتى على المستوى الذاتي وانتقام من مجتمع أو دولة معينة أو العالم أجمع، ممن لا يتعاطفون مع إحساسه وفكره.

فالكثير ممن يقومون بالعمليات الانتحارية يعيشون حالة جنون مؤقت بعد تكييف لم يبدأ لحظة انضمامه لتنظيم ما، هذه الحالة تظهر من خلال قيمٍ تصب في رأسه وتصبح جزءاً من هويته، وحينها ما الحاجة إلى المبايعة والمفتي الإلكتروني أو المفتي التاريخي الذي يرتكب جريمة التحريض على القتل، وهو ميت، والذي يجيزه بدوره، ويحلل له نياته ويشجعه دون لقاء أو كلام وأمور عديدة في الحقيقة تجعل الإرهاب ظاهرة حتمية الحدوث والاستمرار ضمن مجتمعات بعينها نسبةً للتنشئة والتربية والقيم المجتمعية والتعاليم الدينية، والمثل العليا التي تبرر للبعض أخذ حياة الآخرين لهدف أسمى، وبصورة تجعل القتل سلوكاً مقبولاً بل يجازَى عنه في آخرته.

الغريب من الحوادث الإرهابية أن الإرهاب دائماً مَن يحدد مَن سيكون رئيساً للدول الكبرى، حيث تنشط العمليات بطريقة غير مسبوقة قبيل الانتخابات الرئاسية في الدول المستهدفة أكثر من غيرها والجاليات المسلمة في كل دول العالم، فلماذا لم نسمع عن مسلم يقوم بعملية إرهابية في الأرجنتين أو شيلي على سبيل المثال؟

فما الذي يُصعِّب مهمة اكتشاف الإرهابي إلى لحظة تفجير نفسه في عملية ما؟ هو التجنيد الذاتي حيث تمثل تكنولوجيا الاتصالات الحديثة وثورة التواصل الاجتماعي عائقاً دون اتخاذ إجراء استباقي مهما راقبنا دورة حياة الفرد الإلكترونية، فقد يدخل مرة واحدة في حياته إلى موقع متطرف أو مصنَّف أنه لا يشكل تهديداً وينزل ما لذ وطاب من المراجع التي تصنَّف كذلك بأنها معتدلة، وينتهي الأمر به إلى أن يتطرف ويبايع بيعة غير واقعية بصورة مادية ولكن بنية تنظيم أو فكر ما ويبقي الإنسان نفسه لسنوات طويلة هو من ينتظر ساعة الصفر، وهو من يتخذ القرار بالمكان والطريقة وعدم المركزية أو الرجوع لقيادة أو أخذ توجيه مباشر أو غير مباشر، وهو يعيش لسنوات طويلة يتناول الخمور، ويسهر في المراقص الليلية ويرتكب أبشع الذنوب، وهو مقتنع أن ما يفعله تورية لعمل صالح أكبر، ولن يعاقبه رب العزة على ذلك كونه في نيته يفعل ذلك لإبعاد الشبهات عنه والاندماج في المجتمع، وإنْ كانت أغلبية شخصيات الانتحاريين انطوائية وغير اجتماعية وقليلة الكلام ولها سمات جسدية وملامح معينه تسود بين الإرهابيين أكثر من غيرهم وهي منطقة اهتمام جديرة بالبحث العلمي المعمق.

فقد تحدثنا مراراً عن أننا كمسلمين عالمنا القديم يحتضر، والعالم الجديد طال انتظاره ونحن نعيش اليوم أشد عصور الظلمات الروحية وصولاً إلى أن يخجل بعض المسلمين من انتمائهم إلى أمتهم ويؤمنون في داخلهم أن هناك أمراً ما خطأ في المورثات الدينية، وفي الوقت نفسه الكل ينكر وينفي ويرفض أن هناك مشكلة تحتاج إلى علاج، وأنه مجرد فهم عليل ومريض للدين القيِّم. كما أن ثقافة تمجيد الموت ورفض الحياة ليس لها جذور لدينا، وما يحدث أمر عارض سينتهي لا محالة، وتلك الثقة الزائدة والفهم المنقوص من قِبلنا بالسلوك الديني المتطرف كمنظومة متكاملة يجعلنا ندور في حلقات مفرغة وموجة الإرهاب العالية في طور التطور التاريخي لها، ولم تصل الظاهرة لمرحلة منتصف الطريق بعد، وستستمر في النمو قبل أن تصل في المستقبل إلى الذروة، وبعدها سيبدأ الانحدار بانحدار الديانات لدى شعوب العالم.