&من وراء إشاعة استهداف السيسي؟ الرئاسة نفت والصحف الموريتانية تهكمت واعتبرت الأمر نكتة


حسنين كروم

&عكست الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 27 يوليو/تموز استمرار تركيز الأغلبية اهتماماتها على الموضوعات نفسها التي لا صلة لها بأي قضية سياسية، مهما أبرزت الصحف أهميتها، فلا اهتمام بما نشر عن عدم ذهاب الرئيس للقمة العربية في موريتانيا، بعد اكتشاف مؤامرة لاغتياله، والحديث عن أطراف هذه المؤامرة، لأن ما نشر مجرد تكهنات، فالرئيس نفسه لم يكن ينوي رئاسة الوفد المصري، سواء لأن المخابرات حذرت من عدم توافر أمن كاف في مويتانيا أو لأن حضور رؤساء وملوك الدول العربية سيكون قليلا، إضافة إلى أن رفض المغرب استضافة القمة وتحويلها إلى موريتانيا حكم عليها مسبقا.


وحتى توابع الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا لم يعد أحد حتى من غالبية السياسيين يهتم به أو يتابعه أو يقرأ عنه. أيضا المعركة التي اشتعلت بين وزير الأوقاف والأزهر بسبب خطبة الجمعة المكتوبة وانتهت برفضها من جانب هيئة كبار العلماء في الأزهر، وانصياع وزير الأوقاف محمد مختار جمعة للأمر، باعتباره ابن الأزهر.


أما الاهتمام الأكبر فكان موجها للشكوى من ارتفاع الأسعار، من دون أي استعداد للخروج في مظاهرات عنيفة أو حتى كبيرة بدون عنف، لأن كل فئة تهتم الأن بمصالحها الخاصة، فالأسر المصرية مهتمة ببدء أعمال مكاتب تنسيق القبول في الجامعات ومتابعة أخبار ارتفاع أسعار الدولار، ورجال الأعمال عموما مهتمون بمتابعة بدء الاتصالات للاتفاق مع البنك الدولي وأصحاب شركات السياحة والعاملون فيها ينتظرون نتائج الزيارة التي يقوم بها الآن النائب العام المستشار نبيل صادق وشريف فتحي وزير الطيران والكابتن أيمن المقدم لروسيا وعرض كل ما توصلت إليه التحقيقات في قضية الطائرة الروسية، وما تم اتخاذه من إجراءات في المطارات تنفيذا لطلب الجانب الروسي، حتى يمكن إقناع روسيا باستئناف الرحلات.
أما ملايين مرضى الكبد فسعداء بما تفعله الحكومة وهيئة التأمين الصحي والإعلان عن قرب القضاء نهائيا على طوابير الانتظار في الشهر المقبل، وكذلك ملايين المصابين بأمراض الشرايين التاجية، حيث ألزم قضاء الدولة بعلاجهم وصرف الأدوية مجانا لهم بالنسبة للفقراء. أما المهتمون بمتابعة أخبار سد النهضة في إثيوبيا فسعداء بزيادة مستوى فيضان النيل.
وكثير من الذين يبحثون عن سكن سعداء بإعطاء الرئيس أوامر لوزير الإسكان ورئيس الهيئة الهندسية بزيادة عدد وحدات الإسكان الاجتماعي، بحيث تلبى كل الطلبات التي وصلت إلى ستمئة ألف طلب. واهتمت الصحف بقضية حكم محكمة النقض النهائي لصالح عمرو الشوبكي في عضوية مجلس النواب، بدلا من أحمد مرتضى منصور، ووفاة المخرج محمد خان والفنان محمد كامل، وإلى شيء من أشياء لدينا..

الأزمة الاقتصادية

ونبدأ بالأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها البلاد وقال عنها يوم الثلاثاء زميلنا وصديقنا إبراهيم عيسى رئيس تحرير «المقال»: «أي قرار اقتصادي مهم ومؤثر لا يمكن أن تتخذه حكومة شريف إسماعيل وحدها، بل لا بد أن يحصل أولا على موافقة الرئيس، ثم إنه لن يوافق إلا باستطلاع رأي أجهزة الأمن ومخابراته الحربية والعامة وجهاز الأمن الوطني.
ما الذي يمكن أن تقوله أجهزة الأمن الآن للرئيس عن أي قرار مثل، تحرير سعر الصرف أو رفع أسعار البنزين؟ بالتأكيد طلبت الأجهزة الأمنية تأجيل هذه القرارات خوفا من تململ أو تذمر شعبي. يوزنها الرئيس الآن على عكس ما فعل عقب شهر من توليه الرئاسة إذ رفع أسعار الخدمات وألغى جزءا من الدعم على البنزين والسلع، مستندا إلى ما زعم أن شعبيته هي التي جاءت به محمولا على الأعناق إلى مقعد الرئاسة، لكن الآن هو يحسبها بين إحساسه أنه ليس هناك حل غير حل صندوق النقد، وهو اعتماد منهج رفع الدعم وتحرير سعر الصرف لإنقاذ مصر من أزمة طاحنة، وبين إدراكه أن الجماهيرية والشعبية الآن لا تكفي ضمانا لمثل هذه القرارات، فنجد أنفسنا أمام حالة تلكؤ عن الحل يفاقم المشكلة، فلا الرئيس عنده حل اقتصادي آخر ينقذ البلد مما هو فيه، بل صار الآن لا يتلقى من تقارير وآراء وملفات إلا المتفائلة المستبشرة التي تقول له كلاما حلوا ولا هو أيضا قادر على لجم زمام ارتفاع الأسعار رغم ما يبذله من أعمال خيرية عبر صندوق تحيا مصر أو بتدخل القوات المسلحة بسلع مخفضة وقوافل لحوم وخلافه، وهو أيضا يتحسب لتحذيرات الجهات الأمنية التي لا يثق إلا فيها ولا يسمع إلا لها من جراء اتخاذ قرارات رفع الدعم».

إقبال على الاستهلاك وعزوف عن الإنتاج

وإذا تركنا عيسى في «المقال» وتوجهنا إلى الصفحة الثانية من «الوطن» سنجد حديثا مع الخبيرة الاقتصادية الجميلة وعضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب بسنت فهمي أجراه معها زميلنا محمد السعدني قالت فيه عن الأزمة وطرق الخروج منها: «الأزمة الحقيقية ليست في الدولار أو وجود سعرين للعملة الأمريكية الأول رسمي والآخر في السوق الموازية، لأن مصر لديها مشكلة تتعلق بتعثر الاقتصاد الكلي، بالإضافة إلى عدم الاستقرار في المنطقة والأحداث المتلاحقة في منطقة اليورو، بالإضافة إلى معاناة الاقتصاد من عجز الموازنة والعجز في الميزان التجاري، وضعف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، ناهيك عن أن الشعب يقبل على الاستهلاك ويعزف عن الإنتاج. وأتعجب من تدخل البنك المركزي في أزمة الدولار فكل الدول التي كانت نامية وحتى المتقدمة تركت هذه الأزمة من دون تدخل وواجهت المزيد من التعب والجهد، ولكنها تخطت هذه المرحلة. وأنا ضد دعم الجنيه لمجرد الدعم بل أن السلع الأساسية هى الأحق بالدعم، ورغم كل ذلك فمن المعروف أن الدولار يتداول في السوق بأقل من سعره. لا توجد أزمة ليس لها حلول ولكن الحلول في مصر ستكون طويلة الأجل حيث ينبغى أن تسعى مصر جاهدة لرفع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية من خلال الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، يجب أن تتراوح قيمته بين 12 و14 مليار جنيه، ولكن لا يوجد حل مدته أقل. إذا نجحنا في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي فإن مصر ستحصل على تمويل خليجي جديد بقيمة 4 مليارات دولار، وبالتالي سيستطيع البنك المركزي وقتها إدارة الاحتياطي النقدي بشكل جيد. أداء الحكومة جيد ولكنها تخشى البرلمان والشعب والمفترض أنها تكون أقوى في وضع الحلول، حتى لو كانت تلك الحلول مؤلمة «ولو البلد أشهرت إفلاسها محدش هيتمرمط غير الشعب المصري». لن نسحب الثقة من الحكومة الحالية ونحن في البرلمان راضون عن أدائها لأن المشاكل الاقتصادية الحالية تراكمية وأكبر من أى حكومة لأننا في حالة حرب منذ 5 سنوات الحكومة هتعمل إيه ولا إيه لديها موازنة موزعة كالتالى: 30٪ أجور 30٪ دعم 30٪ خدمة دين و10٪ فقط تتصرف بها الحكومة وأى تحرك في سعر الدولار قد يطيح بالنسبة المتبقية من الموازنة».

حكومة إنقاذ اقتصادي

ورغم تأكيدات بأنه لا تغير في الحكومة مضمون، فإن زميلنا في «اليوم السابع» دندراوي الهواري فاجأنا في يوم الثلاثاء أيضا بالانقلاب على مواقفه من أيام، حيث يهاجم نظام مبارك وهو يرد على زميلينا محمد علي إبراهيم رئيس تحرير «الجمهورية» أواخر عهد مبارك، وعبد الناصر سلامة رئيس تحرير «الأهرام» السابق، إذ طالب علنا بإقالة رئيس الوزراء الحالي والوزارة كلها وأن يصدر الرئيس السيسي قرارا بتعيين بعض رجال مبارك الاقتصاديين في مناصب رئاسة الوزارة والمالية مثلا وقال بالنص: «الحقيقة الناصعة والموجعة للبعض والمعذبة للبعض الآخر أن حكومات نظام مبارك كانوا الأكثر كفاءة ومهارة وعلما ونجاحا بعيدا عن الأيديولوجيات وبعيدا عن الخصومة السياسية والفكرية، بدليل أن عددا منهم أصبحوا يديرون اقتصاد العالم حاليا ويتبوؤن مكانة دولية كبيرة.على سبيل المثال لا الحصر أنظر إلى كل من الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق والدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار الأسبق وأحمد أبوالغيط وزير الخارجية الأسبق والأمين العام للجامعة العربية الحالي، وغيرهم من الكفاءات التي أحدثت طفرة في مجالاتهم، فخذ عندك محمود محيي الدين الذي أحدث طفرة استثمارية لم تشهد مثلها البلاد سواء ما قبل 2004 أو بعد 2007 تحديدا، وهي الفترة التي شهدت فيها مصر إصلاح مناخ الاستثمار وتطوير قطاع الخدمات المالية غير المصرفية واستحداث بنية تشريعية وإدارية كان لها الأثر البالغ في زيادة الاستثمار الأجنبي في مصر بمعدل 40٪ سنويا، في تلك الفترة من 2004 وحتى 2007 واستعان به البنك الدولي كمدير منتدب عام 2010 وأصبح الآن «المدير التنفيذي لمجموعة البنك الدولي». وإذا كان محمود محيي الدين تحديدا الذي يدير اقتصاد العالم وله تجربة رائدة في إحداث طفرة للاقتصاد المصري عندما كان يحمل حقيبة وزارة الاستثمار، لماذا لا نستعين به فورا لتشكيل حكومة إنقاذ حقيقي للاقتصاد المصري، خاصة أن الرجل استقال من الحكومة عام 2010 أي قبل الثورة؟ لابد حتما وسريعا أن تحكم عمليات الاختيار عناصر الكفاءة والقدرة المهنية وحسن السمعة وعدم اعتناق أفكار متطرفة ومخربة، وليس الانتماء الحزبي. وأعلم أن هناك كفاءات كبيرة ترفض تولي أي منصب حاليا خشية تشويه السمعة وإلصاق الاتهامات الباطلة، لكن من الضروري الاستعانة بمحمود محيي الدين لتشكيل الحكومة، من دون النظر لاعتراضات الفيسبوك وتويتر».

«أسرق بلادي ولك تحياتي»

ما هو سبب هذا الانقلاب في موقف دندراوي الهواري؟ الله أعلم ورسوله والمؤمنون ومنهن زميلتنا الجميلة في مجلة «آخر ساعة» الحكومية هالة فؤاد التي قالت في يوم الثلاثاء نفسه عن رجال مبارك: «كلما ضاق بها الحال تمطرنا بأحاديث معسولة عن مليارات تسعى للحصول عليها من رجال مبارك، سواء بالمصالحة مقابل التنازل عن قضايا الفساد، أو باستردادها من الخارج من الدول التي تم تهريب أموالهم إليها، فنسمع عن تشكيل لجان ولجان منبثقة واحدة تختفي وأخرى تظهر ومؤتمرات تعقد ومحادثات تجري ووفود تروح وتأتي بخفي حنين ويغلق على أخبارها ألف ماجور، ويتسرب إلينا اليأس ونكاد نسلم بضياع أموالنا المنهوبة ونستيقظ من أوهام وعشم استردادها وفجأة عود الحديث عنها وكأن الدولة تبخل علينا حتى براحة اليأس فتعاود حديثها عن قوائم يتصدرها رموز الفساد إيام مبارك ونجليه وإبراهيم سليمان ورشيد محمد رشيد وزكريا عزمي وحسين سالم ويوسف بطرس غالي، وتداعب بكل تلك الأسماء وملياراتها المنهوبة أحلام الشعب المتألم وتوهمه بانها كفيلة بحل أزمته، فيصبح من السهل علينا قبول شروطه، بل هناك شروط أخرى يفرضها رجال مبارك ولا عجب أن يضع اللص شروطه ما دامت الحكومة لم تواجه جرائمه بما يليق من عقاب، نجدها تتودد إليه باحاديث مائعة عن التصالح وكأن لسان حالها «أسرق بلادي ولك تحياتي».

مبارك أغرقنا في بركة ماء آسن

وفي «وفد» يوم الثلاثاء أيضا قال زميلنا عصام العبيدي: «قعدنا ثلاثين سنة وأحنا سايبين مبارك سايق، من دون أن نجرؤ على سؤاله رايحين على فين، والآخر اكتشفنا أنه غرقنا في بركة ماء آسن تفوح منه رائحة العفن، وساعتها قلنا لأنفسنا، بلاش نسأل ده السائق بطل حرب أكتوبر/تشرين الأول ولن يضيعنا أبدا. وفي الآخر عرفنا أن الرجل وعصابة حكمه ودونا في ستين داهية بعد أن نهبوا البلاد والعباد».

حقوق مصر المنهوبة

ونترك عصام ونتحول إلى «أخبار» الثلاثاء لنكون مع زميلنا المحرر الاقتصادي عاطف زيدان وهو يقول عن جهود الدولة لاسترداد ما تم نهبه في عهد مبارك: «أثق في كفاءة ووطنية المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات الكبرى ورئيس لجنة استرداد أراضي الدولة، وأرى تكليف محلب بقيادة هذه اللجنة خطوة جادة لمواجهة حفنة أشخاص كونوا ثروات طائلة تقدر بمليارات الجنيهات على حساب الشعب وممتلكاته، حيث حصلوا بطرق ملتوية أحيانا وبالذراع أحيانا أخرى على مساحات شاسعة من أراضي الدولة بملاليم بزعم استصلاحها وزراعتها، ثم قاموا تحت سمع وبصر مسؤولين فاسدين متواطئين بتحويلها إلى فيلات ومنتجعات فاخرة، يصل متوسط سعر الفيلا الواحدة 6 ملايين جنيه، ولعل تحذيرات أحمد أيوب المتحدث الرسمي للجنة التي تصل إلى حد التهديد، في مداخلته مع الإعلامي خيري رمضان الأربعاء الماضي، تجعل مليارديرات أراضي الدولة يراجعون أنفسهم ويبادرون برد حقوق مصر المنهوبة وان كنت أشك في ذلك فأمثال هؤلاء لا ترهبهم لجان أو تصريحات مهما كان مصدرها، وإنما مداهمة البلدوزر لدويلاتهم بجيش من البلدوزرات دون سابق إنذار، حينئذ سيعضون أصابع الندم ويردون حقوقنا المنهوبة صاغرين، من دون أي نقصان».

التربح وإهدار المال العام

وإذا تركنا «الأخبار» إلى الصفحة العاشرة في «البوابة» سنقرأ خبرا لزميلتنا مروة المتولي وحسام محفوظ ومما جاء فيه: «أكد مصدر قضائي في جهاز الكسب غير المشروع، أن جهة التنفيذ التابعة للجنة التحفظ على أموال وممتلكات المتهمين في جهاز الكسب بدأت في تحصيل الغرامات المالية، بعد صدور الأحكام ضدهم من محاكم الجنايات، لحين إلقاء القبض عليهم، على أن يشمل التحفظ الأموال في البنوك والقصور والمقرات العقارية وأسهم البورصة وكل الممتلكات. إدارة التنفيذ بالكسب اتخذت كل الإجراءات القانونية اللازمة لتطبيق الحكم الصادر بتغريم رئيس مجلس الشورى الأسبق صفوت الشريف ونجليه 500 مليون جنيه لاتهامه بتحقيق كسب غير مشروع. وكشف المصدر أن التنفيذ القضائي في الجهاز يستوفي المبلغ المحكوم به على المتهم من جميع ممتلكاته، سواء المالية الموجودة في البنوك والعقارات والأراضي، أو الأسهم الموجودة في البورصة، أو كل ما هو مندرج تحت ممتلكاته لاستيفاء حق الدولة. إن النيابة العامة قامت بجرد الممتلكات الخاصة بوزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان الصادر ضده حكم بغرامة مليار و64 مليون جنيه في قضية التعدي على المال العام وتسهيل الاستيلاء عليه في القضية المعروفة إعلاميا بـ«سوديك». كانت محكمة جنايات القاهرة قد قضت بمعاقبة إبراهيم سليمان بالسجن المشدد 3 سنوات في قضية اتهامه بتخصيص أرض لشركة «سوديك» المملوكة لرجل الأعمال مجدي راسخ، بالمخالفة لإجراءات التخصيص القانونية على نحو تسبب في إهدار قرابة مليار جنيه من المال العام. ووجهت له النيابة العامة تهم التربح وإهدار المال العام وتربيح الغير وذلك».
والمعروف أن رجل الأعمال أحمد راسخ هو والد زوجة علاء مبارك.

مسلمون وأقباط

وإلى ما يثير القرف والغم والهم في النفس ويكسر روحنا الوطنية بعد أن استعدناها، حيث تواصل الاهتمام بأحداث الفتن الطائفية في بعض المحافظات وموقف النظام منها، الذي لم يعد يقنع أحدا لا مسلما ولا مسيحيا، ولذلك قال يوم الثلاثاء في «المقال» زميلنا نبيل عمر: «بداية أجزم أن المصريين المسيحيين غير مضطهدين في مصر ويستحيل أن يضطهدوا، لكن من المؤكد أن تميزا مفضوحا واقع عليهم. صحيح أن المجتمع المصري هو مجتع امتيازات واستثناءات من «ساسة لراسه» ويحاصر التمييز فيه النساء والضعفاء والفقراء، وكل من ليس له ظهر، لكن أن يصل الأمر إلى عنف ممنهج في بعض محافظات الصعيد خصوصا المنيا، التي يبدو أن أهلها قرروا أن يسنوا قانونا خاصا بهم للمواطنة يصنفون فيه سكان المحافظة على أساس ديني، المنياويون المسلمون لهم كل الحقوق والمنياويون المسيحيون لهم بعض الحقوق، وربما يفرضون عليهم الجزية مستقبلا، وتقف الدولة عاجزة عن التدخل الحاسم لأسباب أمنية أو غير أمنية فهذا هو العبث بعينه. وإذا كانت السلطة في العاصمة لا تستطيع أن تخضع أهالي المنيا وبني سويف وغيرها من محافظات الصعيد للدستور الذي يحكمنا جميعا وللقانون الذي يفصل بيننا خوفا من المتطرفين والسلفيين، فلتعلن ذلك، من دون عبارات سخيفة من عينة لا مساس بالوحدة الوطنية، حرق الله من أيقظ الفتنة، خلافات يحلها النسيج الوطني. كما يعاود العنف الظهور كلما سرت نميمة خبيثة عن مواطن مسيحي يبني بيته كنيسة كما لو أن مواطني هذه القرية التي تذاع فيها الشائعة هم حراس القانون الأشداء الغيورين عليه من الانتهاك. ولا نفهم من الذي أوكل إليهم سلطة الدولة، فضلا عن أن المصريين هم أكثر شعوب الكوكب والكواكب المجاورة والمجرة بأسرها احتقارا لقانون تنظيم البناء، ولا يكفون عن اغتصابه علنا يوميا. لكن مع أي كنيسة الأمر مختلف، تكرر هذا الفعل مرة وعشرا ومئة وربما ألفا منذ تأسيس جماعات الإسلام السياسي باسم «الصحوة الإسلامية»، وهي الصحوة التي أوصلت الأمة بعد أربعين سنة إلى تفتيت خمس دول عربية فعليا واضطرابات وتوترات يجبر فيها المصريون المسيحيون على طلب حماية أجنبية. لكن الكنيسة المصرية بحكم تقاليدها الوطنية العريقة لم تقع في الفخ حتى بعد 25 يناير/كانون الثاني الذي تبعته هجمات حرق وتدمير لعشرات الكنائس عمدا بذرائع سلفية غبية بالطبع المنيا هي «عروس» التشدد والتطرف وليست عروس الصعيد».

الدولة «ماشية في سكة تانية»

ومن نبيل عمر إلى «المصري اليوم» في يوم الأربعاء أيضا والجميلة والاستاذة في كلية الطب في جامعة القاهرة وخفيفة الظل الدكتورة غادة شريف وقولها في مقالها الأسبوعي: «بينما يتحدث الرئيس السيسي عن تفعيل دولة القانون تجد الدولة ماشية في سكة تانية خالص. الدولة تتجاهل تطبيق القانون ولا حتى فكرت تلفه قراطيس لب وترمس، واعتمدت الحل لجرائم الصعيد الطائفية في الجلسات العرفية وبيت العيلة و»أخذ حبيبي أنا يامَا». من يدخل على الفيسبوك ستذهله الصور الغرافيك للرئيس السيسي محاطا بعدة وجوه لأقباط تستغيث، بينما هو يضع إصبعين في أذنيه. بصراحة وبدون مواربة من يستطلع مواقع التواصل الاجتماعي سيشعر أن المسيحيين فاضل لهم تكة ويكرهوا الرئيس السيسي، إن لم يكن منهم من كرهه بالفعل وأصبح يجاهر بهذا، فهل هذا هو ما تريده الدولة؟ هل هذا هو ما تريده الأجهزة؟ بالتأكيد أن هذا هو ما يريده السلفيون. والواضح أن السلفيين يجيدون «ترقيص» الأجهزة على واحدة ونص، فشيوخهم لا ينقطعون عن التردد على مكاتب أمن الدولة وبقية الأجهزة رايح جاي يعقدون الصفقات ويعطون التعهدات، بينما يطلقون قواعدهم ينشرون الفتنة ويحرضون على الجرائم الطائفية. كيف لم يجرؤ الأزهر على تكفير «داعش» بينما شيوخه وأئمته يكفرون المسيحيين ويحرضون المتطرفين عليهم؟ ألم يشرِع القرآن أن العين بالعين والسن بالسن؟ فلماذا إذن عندما تحدث الجرائم للمسيحيين بالذات نجنح للمجالس العرفية ولا نطبق شرع القرآن؟».

الأنبا مكاريوس: إعمال القانون وتغيير الثقافة هما الحل

وأمس الأربعاء أيضا نشرت مجلة «المصور» الحكومية التي تصدر كل أربعاء عن مؤسسة دار الهلال حديثا مع الأنبا مكاريوس أسقف المنيا وأبو قرقاص أجرته معه زميلتنا الجميلة وفاء عبد الرحيم سألته: «بصراحة شديدة حدثنا عن رؤيتكم لما يحدث في المنيا؟

المشاكل الموجودة في المنيا هي إرث عمره 30 عاما، حيث حدث اعتداء على كنيسة «ماري جرجس» وتم قتل 9 من غير المصابين، وأحداث في التوفيقية في سمالوط. المنيا تحتاج لتغيير الثقافة والفكر لأنه يوجد الكثير من الأفكار المتطرفة، فضلا عن عدم قبول الآخر وفي كل مرة تتم معالجة الأمر بطريقة غير سليمة، ما يترك رسالة سلبية ويشجع الأخرين على تكرار الاعتداءات بأنواعها المختلفة، فضلا عن أن عدم معاقبة الجناة يشجع على الجريمة إلى جانب عدم الوجود الفعلي للحكومة داخل القرى.
وأكثر من 80٪ من المجتمعات السكانية في القرى والنجوع تعيش كالأسرى والرهائن لبعض مراكز القوى داخل القرى، بالإضافة إلى أن العمدة في القرى عندما يكون إنسانا قويا وعاقلا سوف يجنب قريته الكثير، لذلك لابد من اختياره بمعايير واضحة من الكفاءة العالية، ولذلك فإننا نحتاج إلى إعمال القانون لأن تغيير الثقافة وحده لا يكفي فبدون قانون رادع وفعال سيكون الأمر مجرد دردشة وكلام. كما أن وجود قانون بدون شرح وتنوير يجعله نصا جامدا.

وكيف ترى تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة في هذا الشأن؟ يعجبني في الرئيس السيسي أنه صادق وشفاف ويحب مواجهـــة المشــــاكل والأزمـــات ولا يميل للتسكين، وكونه يكرر أكثر من مرة معاقبة الجناة مهما كانوا حتى لو رئيس الدولة فهي عبارة غريبة عن أذهــاننا، كما انه يسأل كثيرا ويسعى كثيرا للوصول للمشكلة. تصريحات الرئيس تعكس اهتمامه بالأمر وعدم تجاهله لما يعانيه الأقباط فهو إنسان من صفاته النبل والأخلاق الحميدة».
القمص مرقص عزيز

وبالنسبة للقمص مرقس عزيز الموجود في أمريكا، الذي شن هجمات عنيفة ضد الرئيس والتحريض ضده وهاجم المسلمين واعتبرهم محتلين لمصر، فقال عنه يوم الأحد زميلنا في «اليوم السابع» كريم عبد السلام: «مرقس عزيز أحد المتعصبين الكارهين المتشنجين منذ أن كان كاهنا في كنيسة مصر القديمة، دأب منذ ارتدائه زيه الكهنوتي على تسميم عقول الأقباط المتسامحين،

بخطابه المتطرف المسموم بأنهم أصحاب البلد وأن المسلمين مستعمرون ويمارسون سياسات عنصرية مثل أي محتل أجنبي، بالإضافة إلى نشر خطاب يحفز على مغادرة مصر واللجوء إلى أي دولة أجنبية. وبسبب بذاءته وحقده العنصري وتطرفه تم إبعاده من مصر إلى أمريكا. وهناك وجد البيئة المواتية لتوجهاته المريضة، ولأن المؤتمر القبطي الأخير لم يؤد إلى شيء اللهم إلا فضيحة المدعو مجدي خليل على يد فاطمة ناعوت، التي كشفت في لحظة صدق نزوع خليل وأشباهه لاستخدام الكتاب والإعلاميين في تصدير القضية القبطية وفق مقاييس المخابرات الأمريكية، كان لابد من عمل توتر ما جديد فكانت الأحداث المتتابعة في أكثر من قرية في المنيا ومشاحنات بين مسلمين وأقباط لا لزوم لها، ثم يخرج علينا المدعو مرقس عزيز بفيديو سفيه شرير عن أسطورة أصحاب الأرض والمستعمرين المسلمين موجها بذاءاته للرئيس والحكومة والدولة والمصريين كلهم».

سيادة القانون

وإلى «المصري االيوم» ومقال للكاتب سعيد السني عن دولة القانون ومما جاء فيه: «عودة لحديث الرئيس عن «دولة القانون» ومحاسبة المخطئ.. فلا جدال أنه «الحل الأمثل» لهذه القضية وغيرها، شريطة تفعيله واقعياً.. إذ إن مثل هذه «الدولة القانونية» المرجوة لا تعرف الفوضى، ولا الجلسات أو المحاكمات العرفية وقعدات المصاطب لحل النزاعات، وليس فيها مكان لنفوذ سلفي ولا تدليل لهم، ولا تهجير قسري لمسيحي، ولا اضطهاد لمواطن أو منعه من ممارسة شعائره وعباداته، سواء كان مسلما أو يهوديا أو حتى لا ديني.. وقديما قال أفلاطون: «القانون فوق أثينا»، وتفيدنا الفلسفة والعلوم القانونية بأن «القانون» يقود الدولة إلى الرقي والتقدم، ويسهم في حماية «المجتمع» من الانقسامات والضغائن ويحفظ له السلام، ويشيع فيه العدالة والمساواة..

وأن «دولة القانون»، التي تحدث عنها السيسي، تكفل وتحمي «حقوق الأفراد وحرياتهم»، مادام هناك رقابة قضائية فعالة لحماية الفرد من العسف والجور، وهذا لا يكون إلا إذا كان القضاء مستقلاً عن السلطة.. بعبارة أخرى، ففي مثل هذه الدولة «المأمولة» يسود مبدأ «سيادة القانون» على الجميع فرداً أو جماعة أو مؤسسة أو إدارة أو سلطة، من دون تمييز على أساس ديني أو عرقي أو هوية سياسية أو أيديولوجية، وبلا أي استثناء لفئة أو جماعة أو أفراد.. ولو حدث ذلك سوف يكون السيسي قد أرسى دعائم نظام ديمقراطي رشيد، ويحجز له مكاناً متميزاً في سجلات التاريخ.. ليته يفعل.»..

استعادة الشعبية المتراجعة

وننهي تقريرنا لهذا اليوم مع محاولة اغتيال الرئيس في موريتانيا وما قاله رئيس تحرير «المصريون» محمود سلطان عنه: «عندما نشرت مواقع صحف خاصة قريبة من الأجهزة الأمنية، يوم 25/7/2016، خبرًا يقول: إن الرئيس عبد الفتاح السيسي، ألغى حضوره القمة العربية في موريتانيا، بعد أن اكتشف مخططًا لاغتياله.. مال الرأي في «المصريون» إلى تجاهل الخبر، متوقعين أنه «واسع شوية» وربما يكون مصدره صناع «الفانتازيا» داخل الغرف السرية. وعندما تواتر في غالبية المواقع المصرية، اضطررنا إلى نشره، ولكن بعنوان فرعي «على مسؤولية الصحف القريبة من السلطة والأجهزة الأمنية».. إذ لا نريد أن يتحمل الموقع مسؤولية خبر من المرجح قطعًا، أنه «تعبوي» موجه إلى الداخل «الطيب» وليس إلى الخارج «المرقع»! الرئاسة المصرية، لم تصدر بيانًا رسميًا يؤكد أو ينفي.. وكل ما صدر منها هو تصريحات من المتحدث الرسمي للرئاسة علاء يوسف لصحيفة «دايلي نيوز إيجبت».. نفى خلالها ما نشر في مصر،

بشأن مخطط الاغتيال المزعوم.. يعني لولا أن سأل مراسل «دايلي نيوز إيجيبت» الرئاسة، ما صدر منها رد على مثل هذا التقرير الخطير.. ما يحمل على التساؤل، ما إذا كان ما نشر صادف هوى لدى المؤسسة.. أم أنها لم يصلها علم به إلا من خلال مراسل «دايلي نيوز ايجيبت؟! في اليوم التالي طلبت من الصحافيين في قسم الأخبار، تتبع الصحف الموريتانية الصادرة صباح أمس؛ لنرى ماذا كتبت بشأن مخطط اغتيال الرئيس.. فأجمعت كلها بأنه «خرافة» أو «خيال صحافي» من «افتكاسات» الصحافة المصرية. الرئاسة نفت.. والصحف الموريتانية تهكمت واعتبرت ما نُشر «نكتة».. فمن أين جاءت الصحف المصرية بهذا الموضوع؟! ما الجهة التي وقفت وراءه.. ما هي مصلحتها.. وماذا تريد منه؟ وطالما عرض على مسرح العرائس المنصوب في الصحف والفضائيات المتزلفة.. باللغة والمفردات نفسها، فإنه يعني أن مصدره «واحد».. وليس مهمًا البحث عن «هوية» هذا الـ»واحد».. الأهم هو البحث عن المستفيد من إثارة هذه الأجواء، والماسة بأمن رأس السلطة في مصر. ربما شاءوا استعادة الشعبية المتراجعة، وإعادة الاصطفاف خلف القيادة السياسية «المستهدفة»..

ولكن لم ينتبه إلى أن ذلك سيكون على حساب أمور أخرى أهم وأخطر. إشاعة أجواء المؤامرة في مصر.. ونقل صورة إلى العالم بأنها في قبضة الاضطرابات الأمنية.. وأن رئيسها نفسه مستهدف بمخططات لاغتياله.. ذلك كله لن يكون مشجعًا لا للاستثمار ولا للسياحة.. وسيدفع أكثر في اتجاه تسجيل المزيد من الانهيارات الاقتصادية. لقد بات واضحًا أن مصر الآن وفي هذه اللحظة الصعبة وشديدة القسوة والبؤس، تحتاج إلى خبرات ذات أفق أوسع على الخيال وعلى الإبداع.. وقادرة على صنع سياسات مالية وثقافية وإعلامية وأمنية وغيرها.. تتعاطى مع مفردات الحياة، وتعي بأننا في عام 2016.. ولسنا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي».

&