&عبدالعزيز السماري

&
تدور في الإعلام العربي منذ اندلاح الحرب الأهلية العربية عاصفة فكرية سياسية حول جماعة الإخوان المسلمين، والذين ينشط أنصارها لمقاومة الحظر، وينشط أيضاً خصومهم بكثافة في وسائل التواصل الإجتماعي، ويحاول كلاهما بشتى الوسائل الممكنة مهاجمة الآخر والتشكيك في وطنيته.


جماعة الإخوان المسلمين حركة قامت في منتصف القرن الماضي على غرار جماعة الإخوان المسيحيون في القرن التاسع عشر ميلادي، وهي طائفة دينية انتشرت في جميع أنحاء العالم داخل الكنيسة الكاثوليكية، وأسسها آدموند رايس، وتعمل في مجال التبشير وتعليم الشباب، ولهم إسهامات خصوصاً في المجتمعات الفقيرة.
كانت أول مدرسة لهم في وترفورد، آيرلندا، في عام 1802، ولايزال لها نفوذ تعليمي في المجتمعات المسيحية، لكنهم في الجانب السياسي قرروا الانخراط في العملية الديموقراطية بأسماء مدنية، ومن أهدافها إعداد أجيال تخدم أهدافها، في نشر التعليم المسيحي، ولذلك تحرص على تجنيد وتعليم الشباب مبكراً من أجل أن يدخلوا الحياة العامة، ويصلوا لمراكز النفوذ، وقد تأثرت كثيراً بعد ظهور فضائح سوء معاملة الأطفال في مدارسها، وقد دفعوا أكثر من مائة مليون جنيه إسترليني كتعويضات.


تعمل جماعة الإخوان المسلمين من خلال نفس الأسلوب، مع اختلاف المنهج، وهو الدعوة والتعليم الإسلامي، وإعداد قيادات ذات نفوذ في المجال العام، وتنتشر في أدبياتهم مراكز تدريب إعداد القادة، وتهيئتهم للوصول إلى مراكز مرموقة في المجتمعات العربية، وهي جماعة تتمتع بقدرات هائلة في التنظيم، ولديها القدرة على تمويل مشروعاتها العملاقة، وتملك أموالاً طائلة، ويقودها متخصصون في هذا المجال..
كان أول احتكاك لي شخصياً معهم في المرحلة الثانوية، وكانوا في أوج نشاطاتهم في العاصمة، وكانوا في سباق محموم مع الجماعة السلفية لبناء المكتبات في المساجد، وكان منهجهما مختلفاً، ويعتمدان على مناهج مختلفة للمستجدين، كان السلفيون يطلقون عليهم «الزملاء الآخرون»، وكانوا يطلقون على أنفسهم «الإخوة الطيبون».


كانت دهشتي عندما اكتشفت كمية العداء بينهم وبين السلفيين، والذي يصل في بعض الأحيان إلى العراك بالأيدي حول الظفر بالمواهب من الشباب، الذين يتمتعون بخصائص الطاعة وسمات القيادة، وعندما سألت بعضهم عن سر العداء بينهم وبين السلفيين، وخصوصاً أنهم مسلمون، والإسلام رسالته عظيمة وشاملة، كان الجواب مبهماً..، ولم أكتشف السبب إلا لاحقاً.
فالإخوان يرون في السلفية الجمود والتقليد والخنوع قبل الانقلاب الثوري الجهادي، ويرون الحل الإسلامي في الخروج منها إلى فقه الواقع، والتعامل مع الحياة من خلال أحداثها المتجددة، وليس عبر العقل الماضوي فقط، وكانت أهدافهم تربوية وسياسية، ولكنها تدور حول التنظيم السياسي للأمة، وليس الوطن، وكان التنافس على أشده على مراكز النفوذ في الدولة في ذلك الوقت، وخدمة أهداف التنظيم السرية، وهكذا.
يواجهون اليوم تحدياً كبيراً وهجوماً كاسحاً من قبل الحكومات، التي تعتقد أنهم بتنظيمهم السري يشكلون خطراً على المجتمعات الآمنة، ولهذا تم تصنيفهم على أنهم جماعة إرهابية، ولا يزال أعضاؤها يصارعون ذلك بالخطاب التعبوي في وسائل الإعلام الاجتماعي، لكنهم يظلون جماعة غير شفافة، وتعمل على طريقة التنظميات السرية في توجيه قدراتها في المجتمع.


حسب وجهة نظري لن يتغير في الأمر شيء، وسيظلون مؤثرين لحد ما، وسيستمرون في أنشطتهم التعليمية والخيرية، وهم قادرون على ذلك، لأنهم يتمتعون بنفوذ مالي وإداري واجتماعي، برغم من فشلهم السياسي في تقديم خطاب متزن ومتصالح مع الآخرين، ويخدم مصالح أوطانهم، إذ يبدو أن مصالح الجماعة وأفرادها مقدم على الوطن، وهو ما يجعلهم دوماً في موضع الاشتباه.
بإيجاز.. تقدم الجماعة صورة مدنية لجماعة المؤمنين الذي لهم حق الولاية دون غيرهم، وكنت قد كتبت أكثر من مرة أن عليهم الخروج عن فكرة «الإخوان المسلمون»، و إلغاء المسمى، وذلك لما فيه من تبعية للنموذج المسيحي، ويحمل أحكاماً إقصائية تكفيرية ضد الآخرين، وذلك لأن الأخوة في الإسلام لا يمكن اختزالها في حزب سياسي، ولأنها مفهوم شامل لجميع المسلمين بدون استثناء، كما يحتاجون لإجادة ثقافة الاندماج في أوطانهم بدون ولاءات خارج الحدود، والله المستعان.