&زعماء أحزاب مغربية يدلون بشهاداتهم ويتحدثون عن «الفرص التاريخية الضائعة»


محمود معروف&

& قدم زعماء أحزاب مغربية سابقون شهاداتهم للسياق التاريخي لبلادهم وربطه بما تعرفه من تحولات شكلت 2011 محطة هامة فيها.
وتكتسي هذه الشهادات أهمية أن هؤلاء الزعماء قادوا الفعل السياسي المعارض في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي من أجل بناء الديمقراطية، كاستمرار للفعل السياسي الوطني من أجل استقلال المغرب وتمهيدا لإقامة مؤسسات ديمقراطية وترسيخها.


وجاءت شهادات هؤلاء الزعماء في الجلسة المسائية لندوة حول «الثنائية في النسق السياسي المغربي: السياق التاريخي والأفق الديمقراطي»، نظمت بكلية الحقوق أكدال في الرباط الخميس بمشاركة سياسيين من محتلف مشارب الفكرية وأكاديميين بتخصصات متعددة.


ودعا محمد بنسعيد آيت يدر، الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي الموحد وأحد قادة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، الباحثين في التاريخ السياسي المغربي إلى الاهتمام بـ»الفرص التاريخية الضائعة» في تاريخ المغرب، وهي الفرص التي «غفل عنها مجموعة من المؤرخين المهتمين بالمغرب، سواء كانوا وطنيين أو أجانب».
وحدد آيت يدر في شهادته على التاريخ السياسي المغربي الراهن، ثلاث محطات، اعتبرها بمثابة الفرص التاريخية الضائعة «أولها تزامن مع ما سمي الظهير البربري في ثلاثينات القرن الماضي، والثانية ارتبطت بحزبي الاستقلال والشورى والاستقلال والسلطان محمد الخامس (منتصف الخمسينيات)، والفرصة الثالثة مع الكتلة الديمقراطية (التسعينيات) في عهد الحسن الثاني».
وتحدث الزعيم اليساري عن ظهور الأنوية الأولى للحركة الوطنية في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي تزامنت مع الظهير البربري الذي كان يسعى إلى تقسيم المواطنين المغاربة، في ضرب تام للوحدة الوطنية وتنكر لميثاق الحماية، «في هذه الفترة بالذات تأسست الأنوية الأولى للحركة الوطنية حين حاول الاستعمار الفرنسي تفكيك الوحدة الوطنية وعزل السلطان محمد الخامس بعدما فشل في ما يسعى إليه».
وأكد آيت يدر أن «هذا الالتحام كان يفتقر إلى برنامج سياسي مسطر حول طرائق التحرير وسبل بناء دولة ما بعد الاستقلال، لأن جزءا من الحركة الوطنية ذهب في اتجاه تحالف مبني على البيعة لشخص السلطان وليس حول برنامج لبناء الدولة، وهكذا وقع انفصال ما بين حزبي الاستقلال والشورى والاستقلال بسبب تدخلات الاستعمار، وعدم اتضاح الأهداف من قبل جزء من النخبة الوطنية آنذاك».
والفرصة التاريخية الضائعة الثانية، تجسدت بالضبط عام 1952، «إذ استطاع الشعب المغربي اجتياز فترة القمع والسجن والنفي التي استمرت منذ اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد، وانطلقت المقاومة المسلحة التي خلقت وضعا جديدا في المغرب، إذ استطاعت تغيير المقيم العام كيوم، ومع ذلك استمرت وامتدت إلى التنسيق مع جبهة التحرير في الجزائر، واتسعت رقعتها لتشمل مدن الشمال المغربي، ولاسيما مدينة تطوان».
وفي ظل غياب برنامج متفق عليه بين حزبي الاستقلال والشورى والاستقلال خلال مفاوضات إيكس ليبان، انتهى بهما الأمر إلى التنافس حول اللقاءات مع القيادات الفرنسية. وقال ايت ايدر «هكذا فشلنا بحكم المساومة أثناء المفاوضات، وهذا ما طرحه المهدي بنبركة بعد بضع سنوات في الاختيار الثوري.. كان بالإمكان كسب الشرعية الثورية لبناء البلاد».
وعن الفرصة الثالثة الضائعة في تاريخ المغرب، قال بن سعيد ايت يدر إنها تجسدت في فترة «الكتلة الديمقراطية» التي شكلتها الأحزاب اليسارية والديمقراطية بداية التسعينيات، وقال «عرفت هذه الفترة شجاعة وانطلاقا نحو التغيير، وكان بإمكاننا أن نحقق فيها إصلاحات ديمقراطية على الصعيد السياسي والاجتماعي.. كما أن الحسن الثاني كان يريد أن يحكم بيننا فيما تبقى من حياته».
وأضاف «لو كنا في المستوى ككتلة كنا سنحقق مكتسبات تحقق جزءا منها عام 2011، ولكن المشاركة في الحكم (حكومة التناوب 1998- 2002) أظهرت النتيجة كما قال إخواننا في الكتلة» وقال أن هذه الفرص التاريخية الضائعة هي الآن جديدة بالنسبة للجيل الجديد، مطالبا الباحثين الشباب بالانكباب على دراسة هذه المراحل الثلاث المهمة من تاريخ المغرب.


وقال محمد اليازغي، الزعيم السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والوزير 1998 – 2012، إن المغاربة لم يعد يعتبرون السلطان المغربي مولاي عبد الحفيظ سلطانا لهم بعد أن وقع مع فرنسا على معاهدة الحماية (1912)، في حين اعتبرته القبائل الأمازيغية سلطان النصارى، ومنذ ذاك الحين انخرطت القبائل المغربية في كفاح مسلح ضد الاستعمار وأن الحركة الوطنية هي التي أرجعت محمد بن يوسف ليكون سلطانا للمغاربة وليس سلطانا للفرنسيين. وأكد أن الحركة الوطنية هي التي أعطت لمحمد الخامس الشرعية النضالية والشعبية، ولأجل ذلك رفض المغاربة ابن عرفة الذي حاولت الحماية الفرنسية تنصيبه مكان ملك المغرب وأضاف أن ولي العهد أنذاك (الملك فيما بعد) الحسن الثاني لم يكن يروقه هذا التوافق بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية، «لقد كان عمله منصبا على فك الارتباط بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية، وكان يريد الحصول على إرث سلطة المقيم العام».


ونفى التهم المنسوبة لحزب الاستقلال أنه كان يطمح إلى أن يصير «حزبا وحيدا» للمغرب «تلك خرافة.. بل على العكس كان يريد الحسن الثاني ضرب حزب الاستقلال وإبعاده عن الحركة الوطنية، ولقد دبر ذلك من خلال تأسيس حزب الحركة الشعبية بمعية المحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب.»
وشدد اليازغي على أن الحماية الفرنسية هي أول من أسست أحزابا إدارية، وواصلت الإدارة بعد الاستقلال هذه السياسة من خلال الانتخابات التشريعية الأولى التي شهدها المغرب بعد الاستقلال سنة 1977، حيث قدّمت وزارة الداخلية «الحزب السري»، مجموعة من المرشحين المستقلين وأعطتهم اللون الأبيض الذي كان يستعمل فقط في الاستفتاء، ونجح كل هؤلاء المرشحين الذين وجدوا أنفسهم أغلبية داخل البرلمان وشكلوا «التجمع الوطني للأحرار».


وقال أن «الخطوة المقبلة كانت سنة 1983، حيت أسست الداخلية الاتحاد الدستوري الذي أصبح يحتل الصدارة في مجلس النواب، وسوقت على أنه حزب مابعد الاستقلال وأن الحركة الوطنية أضحت جزءا من الماضي».


وأضاف «إن الوضعية السياسية في المغرب جدا معقدة، وأحيانا ما تسهل الدراسات المقارنة الحصول على تفسيرات بسيطة وسطحية»، محذرا من الدراسات المقارنة بين التجربة السياسية للمغرب وباقي الدول الأخرى، موجها دعوته للباحثين إلى الاجتهاد أكثر من أجل تحديد هذه الوضعية وتبسيط النسق المغربي المعقد. واعتبر الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية مولاي إسماعيل العلوي، أن الطبقة السياسية في المغرب لم ترق بعد لمستوى نضالات الشعب المغربي وما حققه من مكتسبات ديمقراطية، متهما إياها بتفويت العديد من الفرص.
وأوضح إسماعيل العلوي أن الأحزاب السياسية فشلت في محاربة الأمية السياسية لدى فئة كبيرة من المغاربة الذين يجهل 32 في المائة منهم القراءة والكتابة والعناصر الأساسية للحساب، فـ»كيف نستثمر الدستور الجديد في ظل هذا الوضع؟».


وقال إن المستعمر الفرنسي هو الذي أدخل مفهوم الحداثة إلى المغرب، لينتج عن ذلك ثنائية سلطة المقيم العام والسلطان، هذا الأخير الذي كان له ما يكفي من السلطة وتأثر بالاستلام في حد ذاته، «وقبل الاستعمار عرف المغرب ثنائية حكم السلطان وحكم الفقيه أو المفتي».


وقال المؤرخ المغربي مصطفى بوعزيز إن دور الأنتلجنسيا في تحديث النسق السياسي والثقافي المغربي ما زال متذبذبا في التوجه نحو الحداثة وللحديث عن الحداثة السياسية في المغرب يتعين بداية اعتماد مقاربة تاريخية لرصد التغيير في الزمن الماضي، محددا ثلاثة مفاهيم رئيسية هي: «الحديث»، «المعاصر»، و«الحاضر» باعتبارها تحيل على حقب لها ما يميزها من خصائص بشرية وثقافية متميزة.
وانتقد بوعزيز الانتلجنسيا المغربية التي يرى فيها مروجة لمفاهيم عدة بشكل إسهالي وغير دقيق، كمفهومي «الحداثة» و«التقليد» دون أن تحدد لهما عمقهما الفلسفي داخل السيرورة التاريخية لتشكلهما من خلال ضبط نقط التقائهما ونقط تصارعهما، وأن هذه المفاهيم تستعمل بشكل سياسوي تصارعي داخل النظام السياسي. واعتبر أن الساحة الإعلامية هي مرآة للمجتمع روجت من خلالها مجموعة من المصطلحات والمفاهيم المتناقضة، من قبيل رجعي تقدمي، متدين ملحد، إسلامي علماني، وغيرها، والتي تعبر عن التصارع المستمر داخل النسق السياسي والثقافي المغربي بين مجموعة من القوى كلها تتبنى التوجه الحداثي على مستوى الخطاب الذي لا يعدو أن يكون مجرد تواصل عمومي يفتقد إلى الصواب عند تحليل بنيات القوى المتصارعة.


واعتبر التوجه الثالث المتمثل في توجهات الحركة الثقافية الأمازيغية، مستغلة لبلقنة المشهد السياسي حيث أعطيت لها الشرعية والوجود داخل النسق بإرادة الدولة وليس بإرادتها المستقلة، إذ يطغى عليها الخطاب الهوياتي كما هو الشأن بالنسبة للحركة الإسلامية، بعيدا عن الفكر والممارسة الحداثية الحقيقية، بسبب إعطاء الأولوية للرغبة في الاندماج الحقيقي داخل النسق السياسي والثقافي.
وأشار بوعزيز إلى أن «التوجهات الثلاثة تسعى جميعها إلى فعل ممارس حقيقي لوجودها، لكنها كلها تظل في مرحلة ما قبل العبور نحو الحداثة».