&هوامش الأسفار ولطائف الأخبار: «احزر من هو ومن أباه»
&
سمير عطا الله

&
نادى المدير العام للدار الصحافية على اثنين من الصحافيين، وطلب منهما أن يقدما لي ما أمكن من مساعدة. ثم قال لي «نحن هنا أيضًا نخوض معركة انتخابية، فما رأيك في كتابة شيء عنها؟» بماذا ردّ العبقري على ذلك؟ قلت له إن القارئ في لبنان لا يعرف شيئًا عن سياسات بلادكم وأسماء الأحزاب المعقدة. ضحك موافقًا وتمنى لي التوفيق. وذهبت مع الصحافيين إلى مكتبهما لدرس برنامج الرحلة. ثم نزلت متوجهًا من جديد إلى الموظفة في الإعلانات المبوبة لأشكرها.
سألتني فرحة: «كيف رأيت مديرنا؟». قلت، رجل ممتاز وودود. قالت: «طبعًا، مثل أبيه». قلت ومن هو أبوه؟ قالت: «الرئيس دو فاليرا!». عندما عرض الرجل أن أكتب «شيئًا ما» عن انتخابات آيرلندا، لم يقل إنه النائب فيفيون دو فاليرا، وإنه النجل الأكبر لرئيس الجمهورية وبطل الاستقلال وديغول آيرلندا. ماذا أفعل وقد أصبحت من جديد في قسم الإعلانات المبوبة بعد نصف ساعة في دائرة التاريخ؟ لا شيء. سأكون مضحكًا إذا صعدت إليه مرة أخرى واعتذرت عن جهل لا يحل عليه عذر. ثم إن الموظفة لم تقل لي إلى من ترسلني، ولا هو ذكر من أقابل.
قُضي الأمر، وعليك بجمال آيرلندا والرحلة خلف ديغول. وفي الوقت نفسه سارعت بكتابة رسالة إلى سفير فرنسا في دبلن، وهو من رفاق ديغول في المقاومة، أطلب منه مساعدتي في تأمين لقاء مهما كان عابرًا. وأسندت الطلب بأن الجنرال عاش وأقام في بيروت خلال الحرب، وأن للمدينة ذكرى خاصة في قلبه.
تلقيت الرد من مكتب الجنرال ديغول بعد عودتي إلى بيروت. أما وقد وصلت إلى هنا واكتشفت أن الجنرال جاء إلى بلدة سنام للابتعاد الكبير، وليس للرد على الأسئلة، فلماذا لا أكتب عن المكان. عن هذه الجزيرة التي يصنع منها الرذاذ لوحة خضراء بين صخور معدنية فاحمة. جزيرة هجّرت أهلها المجاعات؛ لأنها بلا صناعة. وهي بلا صناعات لأنها بلا شجر وأخشاب. وبلا شجر وأخشاب لأن مطرها ينصرف إلى صناعة العشب، ناسيًا أن الأمم لا تعيش على الجمال وحده.
وحتى العيون خضراء هنا مثل سهل لا نهاية له. راجع ممثلات الشاشة الأميركية، والسجلات النسائية في عائلة كيندي. وهذا كل دور الجزيرة، تصدير الناس إلى أميركا وغيرها. وإلى حد ما مثل لبنان، الذي يقول لك فيه أي دركي إنه الأفندي ابن الأفندي، جده شيخ مشايخ الحارة، وعمه زعيم زعماء الحي. وهذا هو فيفيون دو فاليرا لا يقول شيئًا، مع أن جون كيندي جاء ليبحث عن جذور العائلة عند والده. ووالده هو الرئيس القابع في القصر الجمهوري مدى الحياة (توفي 1975). إن هذا الأستاذ الجامعي الإيطالي الأب، الآيرلندي الأم، المولود في أميركا، قاد الآيرلنديين نحو الاستقلال. والمقارنة مع لبنان تتوقف هنا. أقصد الاستقلال.
إلى اللقاء..
&

&