هيا عبدالعزيز المنيع

مع انتشار لعبة (البوكيمون غو) بين الشباب من الجنسين وتنقل صغارنا وبعض كبارنا بهواتفهم لاقتناص ذلك المخلوق الافتراضي بين مبنى وآخر وطريق وغيره، حيث تكون فريستهم تارة على الرصيف وتارة في المسجد وأخرى بين اشجار الحدائق وثانية فوق سور الجيران وحتى الآن لم نسمع أن شابا سعوديا اخترق حدود الدول المجاورة بحثا عن بوكيمون كما حصل من شباب دول الغرب.

مع دخول تلك اللعبة اراضينا واتساع انتشارها بين شبابنا واطفالنا وبعض كبارنا نساء ورجالا برزت اصوات تنادي بتحريم اللعبة باعتبار انها تهدد الأمن الوطني وان من يلعبها يساعد الاعداء على معرفة الاحياء والاماكن في مدننا.. تلك التوقعات والتحذيرات ليست بذات قيمة علمية لان الامر اليوم لم يعد سرا فمن خلال جوجل ماب يمكن معرفة خريطة أي مدينة في العالم، بل ان الغرب المتقدم علميا هو من قام بتصوير الربع الخالي بما فيه من ماء!

ونحن اليوم ومن منازلنا بالرياض أو جدة او شقراء او بريدة او القطيف نستطيع معرفة خريطة أي مدينة نريد السفر لها ومعرفة المسافات التي تفصل موقع سكننا عن ابرز معالم المدينة المتجهين لها، مع معرفة أقرب محطة للقطار او الباص ونحن مازلنا في منازلنا بالرياض.

اذن هذا العنصر من الخوف لا قيمة له، وربما هو مولود مشوه من نظرية المؤامرة التي تحكم كثيرا من تصوراتنا وتوقعاتنا..

المهم في المشهد بكل ما فيه من تناقضات ومن آراء تربوية ونفسية ذات قيمة في كثير منها أن هيئة كبار العلماء في الرياض كانت الحاضر الأهم، حيث بادرت بنفي تحريم اللعبة والتي حاول البعض تحريمها بالعودة لفتوى قديمة صادرة عن اللجنة الدائمة للفتوى عام 1421 هـ، وجاء ذلك النفي في تغريدة نشرتها الهيئة عبر حسابها في تويتر..

مسارعة هيئة كبار العلماء في نفي فتوى التحريم يعتبرها الموضوعيون منهجا متقدما في التعامل مع المستجدات، ورفض الانخراط في مشهد التحريم لأي مستجد دون إخضاعه لرؤية شرعية مؤصلة..

في تلك التغريدة رغم قلة حروفها فقد استطاعت الهيئة أن تجنب أهم مؤسسة دينية مساحة الجدل والاختلاف حول اللعبة وبالتالي تعطي للفتوى قيمتها واهميتها التي تليق بها والتي نريد ان تستعيدها، بعد ان اصبح الكل يفتي، ويسد باب الذرائع من خلال التحريم دون تمعن او اخضاع للرؤية الشرعية المستندة على القرآن والسنة النبوية الشريفة، والتي سببت بروز نتوءات ضارة في مسيرة الفتوى المحلية حيث نجد بعض علمائنا يفتي للداخل بما يختلف عما يفتي به للخارج، بحجة أن هذه بلاد الحرمين مع ان أحكام الدين الاسلامي من تحليل أو تحريم وما بينهما من مستحب ومكروه للعالم اجمع ولا تتغير بتغير الجغرافيا.

ما قامت به هيئة كبار العلماء يمثل انطلاقة جديدة لمنهجية عمل تناسب متغيرات العصر، بعيدا عن نمطية العمل المعتادة من المؤسسات الحكومية التي تمارس عملها ببطء وروتين وغياب عن مستجدات العصر وتردد في إصلاح الخطأ..

سرعة نفي التحريم باستغلال وسائل التواصل الحديث، بقدر ما هي خطوة تقدمية لهيئة كبار العلماء، فهي ايضا إجلال لقيمة الفتوى..

&