هاني الظاهري


عندما تخسر شركة تجارية سمعتها تماما، ويترتب على ذلك انهيارها بشكل شبه كامل تحاول التعلق بآخر حبل لإعادة دمج نفسها في السوق بالقدر الممكن لجني أي ربح محتمل، وهذا الحبل في الغالب «تغيير الهوية»، وهو ذات الأمر الذي فعلته «جبهة النصرة» أو فرع تنظيم القاعدة في سورية عبر الإعلان المرئي الطريف الذي ظهر فيه قائدها «الجولاني» زاعما فك الارتباط مع القاعدة وتغيير مسمى جماعته إلى «فتح الشام» وهو مسمى يمكن اختصاره إلى تنظيم «فش».


يأتي هذا الإعلان بعد الخسائر المادية والمعنوية الكبرى التي لحقت بالتنظيم الإرهابي وشردت أتباعه حتى كاد يفنى عقب التدخل الروسي في المعادلة السورية، والمثير للسخرية بحق أن تحول «النصرة» إلى «فش» ليس سوى تنفيذ فائق السرعة لتعليمات زعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي أعلن قبل أيام في تسجيل صوتي من مخبئه أن بوسع جبهة النصرة التضحية بالروابط التنظيمية مع القاعدة إذا كان ذلك لازما للحفاظ على وحدتها ومواصلة المعركة في سورية، مضيفا: «إن أخوة الإسلام التي بيننا هي أقوى من كل الروابط التنظيمية الزائلة والمتحولة وإن وحدتكم واتحادكم وتآلفكم أهم وأعز وأغلى عندنا من أي رابطة تنظيمية».


وبغض النظر عن كون هذا التحول الهلامي مجرد محاولة بدائية وساذجة لـ «استحمار» الرأي العالمي واستجلاب الدعم المادي من جديد بالإضافة إلى تجنب القصف اليومي.. يبدو أن هناك صفقة تم عقدها بين الجولاني وطرف دولي غير معلن سوف يسعى خلال الفترة القادمة إلى تنظيف صورة التنظيم في المحافل الدولية مستندا على هذا الإعلان، وهو طرف غارق - على الأرجح - إلى قمة رأسه في دعم التنظيم منذ عدة سنوات في الخفاء، وحان الأوان ليجري عملية «غسل سمعة» مزدوجة متوهما أنها ستنجح في شرعنة دعم الإرهاب تحت نظر التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.


منذ بدء الثورة السورية وصوت العقل ينادي بعدم التورط في الخلط بين التعاطف مع الشعب السوري ودعم التنظيمات الإرهابية، ذلك لأن هذه التنظيمات قنابل موقوتة هدفها النهائي تفجير المنطقة برمتها إن نجحت في بناء نفسها على الشكل الأكمل مستغلة الفوضى السورية، ومنذ ذلك الحين أيضا وهذه التنظيمات تغير جلودها وتحالفاتها لتستطيع مواصلة حياتها وإكمال مشروعها، فجبهة النصرة سميت بهذا الاسم عام 2011 كمحاولة لتجنب ضريبة انتمائها لتنظيم داعش في العراق حتى اضطرت للانفصال عنه علانية بعدما سحب صلاحيات قادتها ودخل ملعبها وأعلن بحركة جنونية عودة الخلافة، وكلاهما «داعش والنصرة» ابنان شرعيان لـ «القاعدة» فكريا وعقديا والجرائم الإرهابية لا يمكن إسقاطها بتغيير الأسماء، كما أن المجتمع الدولي غير جاهز أساسا لقبول حيلة بدائية كهذه وفي هذا الوقت تحديدا الذي تكتسح فيه فوبيا الإرهاب الإسلامي أوروبا والولايات المتحدة بشكل غير مسبوق تاريخيا. وعليه نقول للجولاني ورفاقه ومن خلفهم كما يقول إخواننا الفلسطينيون: «فش براءة.. وفش مصاري» يا «فش»!