عبد الجليل زيد المرهون

&ما هي العلاقة بين أمن العراق وأمن المملكة العربية السعودية؟ وهل فرص الارتقاء بالعلاقات السعودية العراقية متاحة بمنطق السياسة؟

بداية، تُمثل بعض مناطق الحدود العراقية مع دول الجوار نقطة التجمع والانطلاق الرئيسية لتنظيم "داعش"، باتجاه الداخل العراقي، وكذلك باتجاه الأردن. كما تعتبر مصدر تهديد للمملكة العربية السعودية.

وبالنسبة للعراق، فإن سلامة خط حدودي ساخن لا يُمكن تصوّره من دون قدرات أمنية ناجزة، لديها إمكانية الانتشار والتمركز، ولها من التجهيز والعتاد ما يؤهلها للقيام بالمهام المنوطة بها.

وهناك ست دول تجاور العراق، بحدود إجمالية طولها 3650 كيلومتراً. وهذه الدول هي إيران، بحدود طولها 1458 كيلومتراً، السعودية (814 كيلومتراً)، سوريا (605 كيلومترات)، تركيا ( 352 كيلومتراً)، الكويت (240 كيلومتراً) والأردن (181 كيلومتراً).

ويتربع العراق على مساحة تزيد قليلاً على 438 ألف كيلومتراً مربعاً. وهو يحتل بذلك الموقع 64 على صعيد عالمي، والعاشر على مستوى الوطن العربي، والثالث في النظام الإقليمي الخليجي، بعد المملكة العربية السعودية وإيران، على التوالي. بيد أن المعضلة لا تكمن في مدى مساحة العراق، بل في تكوينه الجيوسياسي. وتحديداً وهن ذراعه البحري، الذي لا يتعدى 58 كيلومتراً، من إجمالي حدوده البالغة 3708 كيلومترات. أي أن حصة ساحله لا تتجاوز 0,015% من هذه الحدود.

وعلى خلفية تكوينه هذا، بدا العراق في حاجة إلى طرق المواصلات التي تربطه بالموانئ الإقليمية المختلفة، إن مع الأردن أو سورية أو تركيا. وكذلك مع السعودية، حيث شُيّد في الثمانينيات خطٌ لتفريغ النفط العراقي في ميناء ينبع على البحر الأحمر.

وبالعودة إلى قضية الحدود العراقية، تقع مسؤولية هذه الحدود من الناحية الإدارية على عاتق وزارة الداخلية العراقية، التي قامت قبل سنوات بتطوير تشكيلاتها ذات الصلة بهذه المهمة.

وفي الأصل، كانت قوات حرس الحدود تتألف من مقر قيادة، ترتبط به مديريات الحدود والجمارك والجنسية والهجرة.

وفي العام 2010، وصل عدد منتسبي قوات الحدود العراقية إلى 43 ألف عنصر، مع خطة لرفعهم إلى 56 ألفا.

وتمتلك هذه القوات نواظير ليلية ونهارية، وأسلحة خفيفة ومتوسطة، ووسائل اتصال، هي عبارة عن منظومة جهاز (الهارس)، الذي يستخدمه حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وفي 16 تموز يوليو 2010، أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن وضع خطة لتشكيل قوة طيران الشرطة، بهدف مراقبة المنافذ الحدودية، ومكافحة تهريب المخدرات. وفي أواخر العام 2011، كانت الوزارة تمتلك 820 مخفراً حدودياً متكاملاَ.

ومن المشكلات التي ظلت تواجه قوات أمن الحدود العراقية هي تلك المتعلقة بكيفية التعامل مع القرى الحدودية، حيث تتداخل الأسر والعوائل تداخلاً وثيقاً، ويبدو تنقل الأهالي على جانبي الحدود، كما لو كانوا ضمن مدينة واحدة. ويشمل هذا الأمر معظم دول الجوار العراقي.

وعلى وجه خاص، تتداخل العوائل بشدة في منطقة الجزيرة، بين نهري دجلة والفرات. وينطبق الأمر ذاته على محافظتي الأنبار ودير الزور. وربما بدا تداخل العوائل في هذه المنطقة أكثر تأثيراً على مجريات الحياة العامة.

وفي الوقت الراهن، يخوض العراق معركة الحدود والمعابر مع عناصر "داعش"، ارتكازاً إلى قدراته البرية بالدرجة الأولى. ويأتي دور سلاح الجو وطيران الجيش في المرتبة الثانية.

ويمتلك العراق مصفوفة من الآليات المصفحة، والمدرعات الخفيفة، التي يُمكن استخدامها في عمليات المطاردة وتعقب المجموعات.

ولدى العراق أيضاً عدد من الطائرات والمروحيات التي يُمكن استخدامها في عمليات الاستطلاع الجوي، وتعقب المجموعات، وتنفيذ مهام القصف من ارتفاعات منخفضة.

وقد استورد العراق، في السنوات الأخيرة، العديد من الطائرات والمروحيات العسكرية متعددة الأغراض، منها عشر طائرات أميركية من طراز (ISR King Air-350)، التي تجمع بين مزايا الطائرات المسيرة والطائرات المأهولة، على مستوى المراقبة الجوية وإطلاق الصواريخ الموجهة بالليزر.

كذلك، اقتنى العراق من الولايات المتحدة 64 مروحية خفر خفيفة من طراز (Bell) من أجيال مختلفة. كما تعاقد مع روسيا على نحو 40 مروحية من طرازات (Mi-8) و(Mi-17) و(Hip-H).

وفي المجمل، فإن لدى العراق من الإمكانات، على صعيدي المروحيات والمدرعات الخفيفة، ما يؤهله مبدئياً لتأمين حدوده المضطربة في حال توفرت لديه قدرات الاستطلاع الأرضي، إلا أن هذه القدرات غير متاحة على النحو المتعارف عليه، حتى اليوم.

من جهة أخرى، خطا العراق بعض الخطوات الخاصة بإعادة بناء قدراته البرية، حيث تعاقد مع أوكرانيا على شراء 110 عربات هجومية من طراز (BMP-1).

وحصل الجيش العراقي، في السياق ذاته، على 72 مدرعة بريطانية من طراز (AT-105 Saxon). وهي مدرعة حديثة، دخلت الخدمة لأول مرة في العام 1983، لدى القوات البريطانية في ألمانيا. وتستخدم هذه المدرعة، المضادة للألغام، في نموذجين، كناقلة جند وكسيارة إسعاف. وتصل سرعتها على الشارع إلى 96 كيلومتراً بالساعة. وهي تخدم في دول مثل بروناي وماليزيا وسلطنة عُمان والكويت ونيجيريا. كما يحتفظ الجيش البريطاني بـ 600 مدرعة من هذه المدرعات.

وكان الجيش العراقي قد حصل في العام 2005 على 72 عربة مصفحة بريطانية من طراز (Shorland). وهي عربات تعود بدايات إنتاجها إلى العام 1965، وتبلغ سرعتها 88 كيلومترا في الساعة، وتستخدم كدورية عسكرية، وهي مضادة للألغام.

وعلى صعيد الأسلحة الأميركية، اشترى العراق حوالي 500 ناقلة جند مدرعة من طراز (Cougar)، و220 آلية مدرعة، خفيفة الحركة من طراز (M-1117) /ASV-150/، و1096 مدرعة مجنزرة خفيفة من طراز (M-113)، و400 ناقله جند مدرعة من طراز (Stryker)، و8500 عربة مصفحة خفيفة من طراز (Up-Armored HUMVEE (UAH) )، وعربات تحكم وسيطرة من طراز (M577A2) ، و29 مدرعة من طراز (M-88A2 HERCULES). وبعض هذه الأسلحة أعطيت للعراق بأسعار مخفضة أو كمساعدات خاصة.

ويبقى التسليح البري الأهم، الذي اتجه إليه العراق، هو ذلك المرتبط بدبابات أبرامز (M-1A1 Abrams)، التي تنتمي للجيل الثالث من دبابات القتال الرئيسية.

وقد قررت الولايات المتحدة الأميركية تزويد العراق بمروحيات "أباتشي"، وطائرات من دون طيار، وصواريخ جو – أرض متقدمة من طراز هيلفاير تبحث. كما في تدريب قوات عراقية في الأردن.

والمطلوب الآن هو الإسراع في تزويد العراق بهذه المروحيات، ومنحه منظومة استطلاع أكثر تطوّراً من تلك المتاحة لديه. كذلك، لو كان العراق قد حصل على مقاتلات (F-16) لما احتاج، على الأرجح، إلى طلب توجيه ضربات جوية للمجموعات الإرهابية، فهذا الجيل من المقاتلات الحربية قادر على إحداث فرق جوهري في المعركة.

بدورهم، فإن العرب معنيون بأخذ زمام المبادرة، والتحرك باتجاه يؤكد دورهم في بلاد الرافدين.

إن الدول العربية، وخاصة الخليجية، تبدو في مقدمة المعنيين بالتأكيد على عروبة العراق، وانتمائه القومي، لكونها الأكثر تداخلاً معها، بالمعايير كافة.

ومتى كسبت دول الخليج تحديداً العراق، فإنها تكون قد حفظت أمنها الإقليمي، وعززت من ثقلها في المعادلة الإقليمية الأوسع.

وكانت القوى الدولية قد أشادت بإعادة افتتاح السفارة السعودية في بغداد، واعتبرت ذلك خطوة رئيسية على طريق تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي. وهذا استنتاج صحيح تماماً، فالتجربة التاريخية أوضحت أن التعاون السعودي العراقي كان مفتاحاً للاستقرار الإقليمي، ليس على مستوى الخليج فقط، بل على الصعيد العربي عامة.

وبمنطق السياسة، ليس هناك ما يحول دون تطوير التعاون السعودي العراقي، والارتقاء به في ميادين مختلفة. إن فرص تطوير هذه العلاقات تبدو وافرة ومتاحة، في أية محصلة حسابات يُمكن الدخول فيها.

وفي الحقيقة، كانت هناك، منذ سنوات، مساعٍ من البلدين لتأسيس مسار جديد لعلاقاتهما، وتوّج هذا المسار بقرار إعادة فتح السفارة السعودية، وافتتاحها بعد ذلك فعلياً.

ومنذ سنوات عدة، اتجهت مؤسسات علمية سعودية لعقد ندوات وحلقات نقاش حول سبل إعادة بناء العلاقات السعودية العراقية، في ضوء المتغيّر العراقي، ومفاعيله الإقليمية. وقد أصدرت هذه المؤسسات، منذ صيف العام 2005، بعضاً من الأبحاث الخاصة في هذا الاتجاه. وهي متوفرة في المكتبات السعودية والعربية.

وبالطبع، ليس في هذه المنطقة من لا يرغب في رؤية العراق وقد عاد إلى محيطه الخليجي وإطاره العربي الأوسع مدى. والمطلوب هو استمرار الجهود الدافعة نحو تحقيق هذا الهدف القومي.

إن السعودية والعراق يمثلان قوتين مركزيتين في النظام الإقليمي العربي، وتعاونهما يُعد حاجة قومية، ثابتة وأكيدة، لا جدال فيها.

وبالنسبة لأمن الحدود، على خطوط الأنبار وعرعر، وعموم الحدود العراقية، فإن التعاون السعودي العراقي يستجيب لاحتياجات الأمن العربي، وخاصة لناحية التصدي لموجة الإرهاب الظلامي، التي باتت تحدياً مشتركاً للعرب، كما العالم بأسره.

إن الاعتداءات المشينة والغادرة التي استهدفت المدينة المنورة وجدة والقطيف قد أتت متزامنة تقريباً مع الاعتداء الإرهابي الذي استهدف منطقة الكرادة في بغداد، وكانت هناك جهة تقف خلفه. وهذا نموذج واضح وجلي لطبيعة التحدي المشترك الذي بات يواجه البلدين، وهو يؤكد أهمية التنسيق الدائم والمستمر بينهما. وهذه ضرورة قومية أكيدة، ولا جدال فيها.