&أمين ساعاتي&

يعتبر الإحصاء العام العمود الفقري للاستراتيجيات والخطط التي تضعها الدولة لتحقيق أعلى معدلات التنمية ، ولذلك فإننا نؤكد أن «رؤية المملكة 2030»لا تستطيع أن تحقق أهدافها إلا بالوصول إلى إحصاءات شفافة وصادقة ودقيقة.

&ولذلك اهتمت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بإحصاء عدد السكان ونفذت آخر حملاتها في عام 2016، وتوصلت إلى أن العدد الإجمالي لسكان المملكة العربية السعودية هو 31,716,240 نسمة وفقا للنتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن، بمعدل نمو للسكان بلغ 2,75 في المائة حيث إن الكثافة السكانية للفرد في الكيلومتر المربع 15 فردا، كما بلغ عدد المواطنين السعوديين 21,112,155، والمقيمين غير السعوديين 10,604,085 نسمة.&

ودون التشكيك في هذه الأرقام، وبالذات فيما يتعلق بعدد المقيمين التي نزعم أنها أعلى من هذه الأرقام، فإن هذه الأرقام تعتبر مؤشرات موضوعية يعتمد عليها لوضع الاستراتيجيات، ولا سيما أن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات لديها تفاصيل أوسع عن الإحصاءات في شتى شؤون حياة السعوديين والمقيمين.&

ونؤكد أن التعداد العام للسكان هو البوابة التي تدخل الحكومة من خلالها إلى غرفة تشريح المجتمع لوضع الخطط اللازمة لحل مشاكل المجتمع، ودون الدخول من بوابة التعداد فإن مشاكل المجتمع السعودي لن تجد حلا، بمعنى أن التعداد العام للسكان هو مفتاح تصميم الخطط المستدامة في أي مجتمع من المجتمعات، ونذكر جميعا أننا أجرينا إحصاء للسكان في عام 1974 ولم تكن المملكة تزخر بهذا الكم الهائل من الطوفان البشرى القادم من كل أنحاء شبه القارة الهندية والفلبين وإندونيسيا ومن اليمن الشقيق ومختلف الدول العربية الشقيقة ، وكان إجمالي عدد السكان يبلغ في ذلك التاريخ 7,009,466 نسمة منهم 6,218,361 نسمة سعوديين، وكان عدد العمالة الوافدة ومعظمهم من الأشقاء في اليمن ومصر يصل إلى 791,105 نسمات، بمعنى أن غير السعوديين أقل من واحد مليون.

&وهكذا كانت الاحتياجات التي يعانيها المجتمع بحجم هذا العدد البسيط من السعوديين وبحجم هذا العدد البسيط من غير السعوديين. وحينما عادت الجهات المختصة وأجرت في عام 1992 (بعد 12 سنة) التعداد العام للسكان للمرة الثانية أظهر التعداد أن إجمالي عدد السكان قفز إلى أكثر من الضعف وبلغ 16,948,388 نسمة، وكان السعوديون 12,310,053 نسمة، وعدد الأجانب 4,638,335 نسمة، وعند ذاك التاريخ بدأ الطوفان البشري من الخارج يغزو المجتمع السعودي ويبتلع مزايا تنفيذ مشاريع وبرامج التنمية ويدخلنا في أتون قصور شامل في الخدمات ، ومع قصور الخدمات جاء الطوفان البشري الأجنبي بثقافات مختلفة اختلطت مع ثقافات المجتمع السعودي المحافظ.

&أما التعداد الثالث للسكان فقد أجريناه في عام 2004 (بعد 12 سنة) وبلغ إجمالي عدد السكان 22,678,262 نسمة منهم 16,527,340 نسمة سعوديون و 6,150,922 نسمة من غير السعوديين.

&ورغم أن الملايين الستة من الأجانب تشكل تحديا صارخا لمجتمع محافظ إلا أن هؤلاء الملايين الستة يخفون خلفهم ستة ملايين آخرين من المخالفين لنظام الإقامة تمكنوا من التسلل إلى أمهات المدن وأنشأوا فيها محميات عشوائية يتحصنون فيها ويغيرون على كل من تسول له نفسه أن يقتحم أكواخهم وعششهم.&

ومع أن الاعتمادات المالية لبرامج التنمية قد تضاعفت إلا أن الكتل البشرية الزاخرة المتسللة عبر حدود المملكة قد أربكت برامج التنمية وأبرزت قصورا ملحوظا في الكميات المتاحة من المياه والكهرباء والسكن والمستشفيات والمدارس، وارتباكا في المرور والمواصلات وغير ذلك من الخدمات.

&والغريب العجيب إن معدلات الزيادة في عدد السعوديين رافقتها زيادة مضاعفة لعدد الأجانب القادمين للعمل في المملكة ، أي أن الزيادة في معدلات السكان من السعوديين لم تحد من الزيادة في الطلب على القوى العاملة من الأجانب.

&وإذا كان هذا مقبولا مع بداية عصر التنمية، فقد حان الوقت لأن نشهد تطورات موضوعية في العلاقة بين زيادة معدلات السكان مع زيادة عدد الوافدين، بمعنى أننا نتطلع إلى أن تؤدي الزيادة في معدلات السعوديين إلى انخفاض الطلب على العمالة الأجنبية من الخارج، ولهذا كنت وما زلت مؤيدا ومشجعا على زيادة معدلات عدد السكان، وطبعا الدعوة إلى زيادة عدد السكان يخالف تماما الآراء المطروحة بقوة التي تطالب بإنقاص معدلات الزيادة في عدد السكان التي يقال إنها باتت ترعب وتربك المهتمين برفع مستوى معيشة الإنسان السعودي.

&وشخصيا أرى إن هذا القصور في الخدمات وهذه المشاكل التي يعانيها المجتمع السعودي هي نتيجة وليست سـببا للزيادة في عدد السكان، لأن المشاكل التي نعانيها إنما هي إفراز طبيعي للنقص في عدد السكان، وبالذات هي إفراز طبيعي لنقص المهارات ونقص الكفاءات وبالتالي انخفاض الإنتاجية.&

إن ما يجب أن نقوم به هو أن نبني سياسات سكانية تقوم على زيادة معدلات السكان بنسبة تتناسب مع معدلات الناتج الوطني لنحدث التوازن بين الزيادة السنوية في معدلات السكان مع الزيادة السنوية في الناتج المحلي الإجمالي ، بحيث إذا وصلت الزيادة في معدلات السكان إلى حد الإضرار بالاقتصاد، فإن تعديل السياسات السكانية شيء مطلوب، ونحن قادرون على تعديلها وإنقاص معدلاتها بالقدر الذي يحقق التساوي مع الناتج الوطني الإجمالي، ولكن لن يكون الهروب إلى الخارج واستقدام قوافل بشرية بكفاءات عمالية متواضعة هو المخرج السليم للأزمة!

&ولكن مع هذا فإن الزيادة في معدلات عدد السكان يجب ألا تكون في المطلق، وإنما يجب أن ترافقها منظومة كاملة لجودة نظم التدريب والتعليم وبناء مؤسسات التدريب والتعليم ومراكز الأبحاث القادرة على تخريج وتأهيل مزيد من المواهب والعبقريات التي تتمتع بكثير من المهارات وتتمتع بكاريزما الابتكار وتتمتع بخصائص القيادات التنفيذية الماهرة المتطلعة إلى تطبيق منهج مالي وإداري يستطيع أن يبتكر ويرتفع بمعدلات الأداء والإنتاجية.&

ولذلك نؤكد أن أهم المشاكل التي تعترض مســيرتنا التنموية تأتي بسبب النقص في عدد السكان وانخفاض المهارات عند المواطن السعودي وبالتالي انخفاض الإنتاجية، ولو كانت لدى المواطن السعودي مهارات عالية لما وصلت إنتاجيته إلى الحدود الدنيا مقارنة بمستوى الإنتاجيات في العالم.